الرئيسيةرأي وتحليل

بين التعليم والترويض .. ناجي سعيد

سناك سوري – ناجي سعيد

ليست المشكلة في الكتابة، لكنّ كميّة الأفكار والصور المتزاحمة عند باب مخيّلته تجعله يحرص على عدم إخراجها بشكل عشوائي. نعم فقد أحبّ “الفايسبوك” ليس كالآخرين. فهو لا يحبّ نشر الصور والمواقف الخاصة بحياته المعاشة يوميًّا كما يفعل كثيرون. وهو يحاول أنّ ينشر أفكاره على “الفايسبوك”، ولكنّه يجد صعوبة في تفسير جملة فيها زخم أفكار وتجارب. ويصل إلى حدّ اختصار فلسفة حياة وعمل بجملة. فقد كتب مؤخّرًا: ” التعلّم التفاعلي هو الطريق الآمن لقبول الآخر”.وحين طُلب منه أن يكتب الشرح والتفسير لهذه الجملة، استغرق أكثر من شهر لكتابة شرح هذه الجملة. فكّر وتحمّس للموضوع. لكن أراد أن ينظرّ ويبتكر فلسفة من وراء هذه الجملة لكنّه لم يقدر. فقد استسلمت ذاكرته لأيام المدرسة، حين كان طفلًا، وشاءت الصدف أن ينمو في بيئة حاضنة للمعرفة فكان يُعتبر “شاطر بالمدرسة”. وهكذا، كان تعامل المدرسين والمدرسات سببًا لبناء حاجز بينه وبين الآخرين.

فقد كانوا يعمدون إحضاره لقراءة جملة ما أو لحلّ مسألة حسابية، لم يفلح التلامذة في السنة الخامسة الابتدائية من ذلك، وبنظر المدرّس ،كان حضوره وإنجازه القراءة والحساب، وهو في السنة الثالثة ابتدائية أمام من هم أكبر سنًّا منه، يشكّل عقاباً لهم.

في الحقيقة لم يكُن لهم بل لهُ العقاب. فقد أبعده اهتمامه بالدرس والعلم عن الاهتمام بعلاقاته مع الآخرين، نعم ولو أردنا أنّ نحللّ هذا الموقف، لوجدنا أنّ شخصيّته ضعيفة على المستوى الاجتماعي، فمجتمعه محصورٌ بين دفّتي كتاب.

وبعد أن كَبُر وامتهن التعليم لفترة وجيزة، كانت ردّة فعله إيجابية على موروث الماضي التعليمي التلقيني اللاتربوي. ومن هنا بدأت رحلته المهنيّة بتغيير اسم المهنة التي يُمارس من ” تعليم” وهي على وزن “تلقين” برأيه، إلى استخدام مصطلح “تعلّم”، والتعلّم نابع من الذات.

ومن هنا كان محور التعلّم بنظره يدور في فلك تقدير الذات التي تسعى إلى التعلّم والإبتكار بعيدًا عن تقليد الآخرين وهربًا من دائرة تلقين الكبار له حتى خارج المدرسة.

وقد كانت المعاناة في رحلته المهنيّة، هي معاناة أفراد يريدون التغيير بمجابهة نظام تلقيني وإطار تقليدي لإدارة العمليّة المسمّاة تربوية وهي أقرب إلى الترويض وإعادة إنتاج طبقة تستخدم الأسلوب نفسه لإعاد إنتاج طبقة أخرى جديدة وهكذا دواليك..

حين مارس مهنة تدريب الكبار، كان همّه الأساسي إعطائهم المساحة الكافية للتعبيرعن ذاتهم. وكان أسلوبه في التدريب تفاعليًّا. حيث “الأنا” عنصر تفاعلي يغذّي المجموعة ويغنيها بالتجارب والمعرفة. كما أن التعلّم التفاعلي لا يمكن أن يكون منتجًا إلاّ إذا احترم الذوات المتفاعلة في العملية التعلّمية. فتتطوّر الأنا  بدون قيود تعيق عمليّة تطوّرها، ولا يتحكّم بالأنا إلاّ معيارين: 1- البعد عن الأذى 2- قيمة الإحترام، والمعيارين مُلزمين بالأنا والآخر طبعًا.

وبالعودة للجملة، كيف يمكن أن يكون التعلّم التفاعلي هو طريق آمن لقبول الآخر، فقبول الآخر يبدأ هنا من قبول الذات، فاحترام الآخر لايتمّ عند شخصٍ لا يحترم ذاته. لذا نجد الأنا المتصالحة مع نفسها ترصف طريقًا آمنًا لتتصالح مع الآخرين. والأنا المهتمّة بنفسها فقط دون الآخرين تتحوّل إلى أنا عدوانية لا تعرف سوى الهجوم على الآخر ظنًّا منها أن الحياة معركة ضدّ وجودها والقاعدة الفعّالة فيها : أنّ أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم. مع العلم أنّ هذه الطريقة لا تنتج إلاّ الطاقة السلبية الرافضة و المنفّرة للآخرين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى