الرئيسية

“بحري الدلال”: الرجل الذي أمضى حياته يبحث عن “المفقود”

أمضى هذا الرجل 40 عاماً من حياته ينادي بحثاً عن “المفقود”

سناك سوري – عبد العظيم عبد الله

سخّر الراحل “بحري الدلال” من أبناء مدينة “القامشلي” حياته للعمل في مهنة الدلال التي خدم من خلالها أبناء المدينة والريف في البحث عن مفقوداتهم وأغراضهم الثمينة حاملاً ميكرفونه ينادي من خلاله بعالي صوته على الناس.

ويستذكر أبناء المدينة وريفها أشهر الجمل التي كان يرددها والتي لم يعودوا يسمعوها اليوم لأنها غابت بوفاة صاحبها “الدلال” ومنها “يا أهل الخير، وين ولادين الحلال والسامعين الصوت. ضايعلنا طفل يا جماعة الخير”.

مهنة “الدلال” النادرة التي انقرضت بوفاته كانت تسهم أيضاً في إخبار المواطنين بأخبار المناطق المجاورة حيث كان “الدلال” يتجول في الشوارع والحارات للمناداة في مختلف الأوقات حيث يخرج الأهالي مسرعين للاستماع لما يحمل في جعبته من أخبار، تقول “سميرة العلي” من أهالي حي “قناة السويس”  في “القامشلي” خلال حديثها مع سناك سوري: «جملته الشهيرة: يا ولادين الحلال منه، تؤثر فينا كثيراً، كل عباراته وجمله كانت إنسانية، لأن مهنته كانت كذلك، الكبار والصغار نساء وفتيات، يخرجون للشارع لمجرد سماع صوته من بعيد، حتى يعرفوا ما يريده الراحل “بحري” وما الذي يريد أن يخبرنا به».

مفقودات الأهالي مهما كنت رخيصة أو ثمينة كانت محط اهتام “الدلال” الذي لم يكن يهدأ له بال حتى يجدها حسب ما أكده الحاج “صالح حاج محمود” ويضيف:«كان يعتبرها واجب إنساني وخدمة أخلاقية، علماً أنها مهنة والده قبله، وقد لازمته منذ العام 1977 حتى وفاته في العام 2017 كما أن الكثير من الأهالي لايعرفون اسمه الحقيقي بل ينادونه بلقب “الدلال”».

طبيعة المهنة هي البحث والتقصي عن المفقودات حسب “المحمود” والذي يوضح:« كان يبحث عن مفقودات الأهالي مهما كان نوعها أو طبيعتها، ربما ثمينة جدّاً، وقد يكون هناك طفل صغير ضاع في الأزقة والأحياء، أو مبالغ مادية كبيرة، يذهب إليه الشخص الذي أضاع شيئاً، فيبدأ “الدلال” بالتجوال عبر دراجة عادية متواضعة، ومكبّر للصوت ورثه عن والده، ونداءاته كانت تلقى استجابة لدى الأهالي الذين استعانوا به كثيراً إضافة لكونه يستخدم في النداء لغة جذابة وعبارات تدعو للخير والمحبة فيما بين الناس، وكثيراً نجح في العثور على المفقودات».

عمل “الدلال” كان يقتضي منه أحياناً الخروج لأيام خارج حدود مدينة “القامشلي” للبحث عن المفقودات خاصة خلال أيام الأعياد بسبب ضياع الأطفال بكثرة أثناء لعبهم في الأحياء وهنا يقول “فاروق السطم”: «عمل ذلك من أجل رسم الابتسامة على من فقد ضائع، تكون هديته حلوانية دسمة يقدرها صاحب الحاجة، علماً أنه لم يكن يطلب من تلقاء نفسه أي شيء مهما تعب في حاجته، بالإضافة إلى ما يملك من مزايا، كان صاحب نهفة، إحدى المرات سمعته يقول: “يا سامعين الصوت ضايعلنا خاروف نمرة رجلو 38 وأسنانو ذهب”».
لقد تغير الزمان كثيراً، وتغيرت معه أدوات الناس، وقد أصبحنا اليوم نجد المواطنين عبر الانترنت يكتبون عن ضياع أشياء لهم ويخبرون عن أمر معين فيصل إلى آلاف الناس في مناطق مختلفة ومتباعدة خلال لحظات، بينما كان الدلال يحتاج ساعات وساعات حتى يصل من منطقة إلى أخرى.

اقرأ أيضاً:عميد النحاسين يعزف لحن النحاس منذ ستين عاماً

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى