الرئيسيةحرية التعتير

أيقتلك البرد؟ أنا يقتلني الغياب.. شتاء المحبة والأعياد والمعاناة!

يقول “مظفر النواب”: أنا يقتلني نصف الدفء.. وأقول يقتلني صوت فيروز حين تنشد يا ناطرين التلج ما عاد بدكن ترجعوا

سناك سوري – خاص

“أيقتلك البرد ؟ أنا يقتلني الغياب” أو كما قال الشاعر العراقي “مظفر النواب”: «أنا يقتلني نصف الدفء»، وأقول يقتلني صوت فيروز القادم من مكان ما منشدا “يا ناطرين الثلج ماعاد بدكن ترجعوا؟ صرخ عليهن بالشتي يا ديب بلكي بيسمعو”.

تروي الجدات العتيقات حكايا عن برد الغربة الذي ينام في عظام من هاجر، لكن ماذا عن من لا تنام أوجاعهم الذين ينهشهم البرد وهم في أوطانهم الذين تبقى غرفهم باردة لا تعرف مصدراً للحرارة حتى وإن تسربت من مدفأة ما فهناك قلب فقد الدفء يوم رحل من يحب والبرد الذي سكن تلك العظام يتجاوز أزمة المازوت والطوابير الغفيرة من البشر التي تنتظر دورها في ماراثون جرار الغاز.

وحدها صورة الشاب الذي فقد حياته في الحرب، على الحائط احتفظت بالحرارة ظلت كالشمس معلقة تحاول بث الدفء لكن الحرارة الحقيقية كانت باللقاء وحضن الغائب مسحة على خده وقبلة على رأسه.

خرج ما سبق من كلمات وأفكار من وحي الصورة المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعي وهي تظهر إمرأة ورجل من كبار السن يجلسان مقابل المدفأة “الصوبيا” وعلى جدارهم علقت صور شبان خسروهم خلال الحرب، يبدو أنها لأبنائهم، تفاعل رواد الفيسبوك مع الصورة بشكل عاطفي وكأن الموجودين بها أقربائهم، جدهم وجدتهم، وجوه مألوفه عرفوها وحكاية بيت آخر زارته الحرب.

في ليالي الشتاء الطويلة العاصفة بالذكريات وهي تتساقط كقطرات المطر على الرأس معيدة الغائب والراحل والمخطوف أطفالاً ومراهقين وشباناً شريط من الذكريات يمر أمام الأهل المحبوسين في بيوتهم مع أفكارهم تاركين السماء تبكي نيابة عنهم.

كانون الأول “البارد” شهر الأعياد حيث كان الأبناء يأخذون إجازاتهم ويعودون بكل لهفة إلى دفء البيت وحضن الوالدين اليوم أصبح فيه يوم للمخطوف في كل عام تجتمع الوجوه الحزينة التي كبرت ألف عام في عام وهي تنتظر عودة الغائب ورغم شحوب الوجوه إلا أن عيونهم مازال فيها بريق أمل يشع كلما نظرت إليهم على الرغم من الخيبة وطول الإنتظار.

اقرأ أيضاً: هذا الشتاء قاسٍ جداً جداً – شاهر جوهر

معاناة الشتاء

هل تغير الشتاء أم نحن من تغيرنا ؟

يقول صديق: «لم أعد أحب الشتاء، في طفولتي كنت أحبه وأنتظره بفارغ الصبر أتذكر “الكستناء” و”الصوبيا” العملاقة في بيت جدي والجو العائلي الحميمي، كانت البيوت دافئة حينها لم تعد هكذا الآن أصبحت باردة جداً كثلاجة الموتى والأمطار التي كنا نغني حين هطولها لجلبها الخير أصبحت المدن تخافها».

«في بداية الأزمة كانت تقطع الكهرباء لساعات طويلة وكان لدينا “صوبيا” مازورت وحين انقطع اشترينا “صوبيا” غاز والأخر أيضا انقطع كان الحل في “صوبيا” الحطب بالتأكيد لن ينقطع الحطب!».

الشتاء فصل صعب في سوريا يخاف الجميع منه، يخاف كبار السن من الموت فيه ويخاف أصحاب البيوت من الطوفان وترطب الحيطان.

يحكي صديقي خالطاً بين المزح والجد: «بالأمس استيقظت على صوت شقيقتي تخبرني عن هطول أمطار الشتاء التي بدأت تتسلل من الباحة الخارجية إلى داخل البيت ومثل “سوبر مان” كان يجب أن أخرج في الفجر وعز البرد تحت المطر وأنظف أماكن التصريف من مخلفات الجيران وأعقاب السجائر وأعود مبلل إلى الداخل ولا أجد وسيلة لتدفئة، والكهرباء كالعادة مقطوعة فمع قسوة الشتاء تقطع الكهرباء من ٣ إلى ٤ ساعات وفي أغلب الأوقات لا نجد ماءاً ساخناً للإستحمام».

سكت صديقي وخجلت أمام صقيع الكلمات أن أعترف بحبي لهذا الفصل وفاجأني وهو يهديني مجموعة قصصية بعنوان “شتاء قاس آخر” للكاتب السوري “سعيد حورانية” تحكي كيف قتل ودفن الشتاء شجرة الليمون الضعيفة لكنه لم يقدر على شجرة السنديان تلك العجوز الهرمة وعدت أتساءل بيني وبين نفسي متى يعود الشتاء الدافء الذي عرفته وأحببته، الرحيم مع الفقراء والحنون مع من فقد عزيز والعطوف على الأطفال وكبار السن متى يعود شتاء المحبة والأعياد.

اقرأ أيضاً: “إسراء قداح”.. ضحية السخانة والبرد والحرب!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى