الرئيسيةرأي وتحليل

اللي استحوا ما ماتوا – شاهر جوهر

تعرفوا على قصة المثل الشعبي اللي استحوا ماتوا

في الرابع من نيسان عام 2016 لم تكن “أم منتظر”، السيدة العراقية “خالدة تركي عمران” تدرك أنه سيكون يوماً بهذا السوء. فحين كانت تتجه بسيارتها إلى مكان عملها كمدرّسة في “البصرة”، انفجرت بقربها سيارة مفخخة فاشتعلت سيارتها بالنار جراء الإنفجار، خرجت من السيارة وقد جاهدت لإخماد النيران التي اشتعلت في ثيابها، لكنها حين أدركت أنه لا طائل من إخماد النيران منعها الحياء من خلع لباسها، فعادت إلى السيارة وجلست بها لتفضل أن تلتهمها النيران على أن تخلع ثيابها.

سناك سوري – شاهر جوهر

بكاها العراقيون وبكيناها جميعاً تماماً كما نبكي هذه الأمة المشتعلة البعيدة عن الحياء، لأن أقل ما يوصف للمرء العربي اليوم هو قليل من حياء، لأننا تنكّرنا جميعاً بأن يكون الحياء كشعبة من شعب العروبة، لهذا جاء لدى من قبلنا في التاريخ أن “من خلع ثوب الحياء فليفعل ما يشاء”.

في العهد المملوكي وقع في أحد حمامات النساء في “القاهرة”، حريقٌ هائلٌ دفع النسوة في الحمام للوقوف أمام خيارين إما الموت حرقاً أو النجاة بالخروج عراة، فنجت بعض النساء وبقيت أخريات، وحين قدم صاحب الحمام يسأل من مات من النساء؟ أجابه البوّاب “اللي استحوا ماتوا”، جوابه ذاك الذي بات يتكرر على كل لسان عربي كل يوم من شرق هذه الأمة إلى غربها للدلالة على انعدام الحياء والأخلاق، رغم أن المثل بحد ذاته يحمل نقدا كبيرا للحياء بغير مبرر، أنه يسبب الموت.

اقرأ أيضاً: تنمر الأكثرية على الأقلية -شاهر جوهر

في “دمشق” أيضاً هناك حي شهير يسمى حي “المسكي”، أو “المسكية”، وهو يقع في آخر سوق “الحميدية”، في حاضرة الجامع الأموي قرب أروقة وأعمدة هيكل الإله “رامون الآرامي” وهي أعمدة ترجع الى أكثر من 20 قرناً من الزمن للوراء، وتعتبر “المسكية” منذ القديم مكاناً لبيع الورق ومحلّاً للوراقين، و يعود سبب تسمية الحي كما يشاع في “دمشق” اليوم إلى شاب دمشقي وسيم كان يعمل كبائع متجول في زمن ما، يحمل كيساً فيه أقمشة ومواد تجميل وقيل مراوح خشبية، يدور بها في الحارات كل يوم عمّن يشتري منه.

قيل أن فتاة أحبته واستوقفته من شرفة منزلها وطلبت منه الدخول ليشتري أهلها منه وأنهم ينتظرونه في الداخل، حين دخل وجدها بمفردها وترتدي لباساً مكشوفاً، لتخبره أنها راغبة به، لكنه حين رفض هددته أنها ستصرخ في الحارة وتخبر الجميع أنه يريد التعدّي عليها، وقع في حيرته ثم طلب منها الدخول إلى الحمام لكي يغتسل، وحين خرج كان قد قام بدهن جسده بقاذورات بشرية، حين رأت ذلك الفتاة طلبت منه الإنصراف لأنه لا يفعل ذلك سوى المجانين.

خرج الشاب مجنوناً يواري نفسه عن الناس، وكما يروى كان كل من يقترب منه يشم رائحة مسك تفوح منه، بعدها ترك الشاب العمل كبائع جوّال، وقام بافتتاح دكان صغيرة في الحي أي حي المسكيّة اليوم وكانت الناس تشم رائحة المسك المنبعثة من محلّه على بعد حارات فسمّي الحي بالمسكي أو المسكيّة إلى يومنا هذا.

اقرأ أيضاً: حكاية مطعس وجاره.. هكذا لم يمت الخير فينا – شاهر جوهر

اليوم تبدل كل شيء، حين تصل إلى “المسكية”، وتجول في شوارع “بغداد” و “القاهرة” لن تشم سوى رائحة القاذورات، قاذورات بشرية متحركة في كل مكان، قاذورات ربما ترتدي ربطة عنق وبدلة، مخلفات بشرية تتحرك كيفما كان، أحدهم على بسطة جوارب وكلاسين، وآخر يضع كرسياً تحت أعمدة رامون يرتدي نظارة شمسية كي لا يرى أحد عيناه الباحثتين عن فم ثرثار، وثالث يزور الحي لضبط التموين مع أنه غير قادر على ضبط يديه من تناول الرشوة.

تقاسمت هذه الأمة – من مائها إلى مائها – ماء وجهها وعاشت على الكرامة ولأجل الكرامة قرون عديدة، تقاسمت الخير والأخلاق والحياء كما تتقاسم السلطة اليوم الفساد والكذب والحيف والعار، وهو ما يجعلنا اليوم نجزم فعلاً أمام كل هذا العار أن الذين استحوا ماتوا فعلاً، بعد أن اعتقد كثر أن الحرب الأخيرة تصحيح لهذا المسار الأخلاقي، في حين تبين أننا نعيش بين وحوش، نعيش في أزمة أخلاقية حادة، فحين بدأت الحرب خرج من بيننا ومن جلدتنا على حين غفلة مجرمون وقتلى وسفاحون ومغتصبون وكذابون ومنافقون.

اقرأ أيضاً: تذكروا وجوه آبائكم -شاهر جوهر

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى