الرئيسيةتقارير

اللاذقية: إصلاحية الأحداث.. ضرب و تعنيف ولعب شدة.. أطفال يروون قصصهم

أطفال يتحدثون عن عنف شديد.. “فيتالي”: دور الإصلاحية حالياً لا يُصلِح… “إبراهيم”: الوضع تغيّر

سناك سوري – سها كامل

«أول ما وصلت على إصلاحية “الشير” بريف اللاذقية ضربوني أربعة أكبال، و قالوا هي بدلاً من “أهلاً وسهلاً”، وقبل ما اطلع أربعة تانيين بدل من “مع السلامة”» يقول الطفل “م.ي” الذي لم يتجاوز الـ 15 من عمره، واصفاً  كيفية استقباله في الإصلاحية، (الكبل غالبًا يتكون من سلكين أو أكثر يمران جنبًا إلى جنب ويتم لفهما معًا لتكوين كبل واحد عريض الحجم).

الطفل “م.ي”، الذي انفصل والداه، ورعته جدته وبعدها جده لفترة من الزمن إلى أن فارقا الحياة فذهب إلى منزل والده الكائن في “الرمل الفلسطيني”، وبقي حوالي الشهرين، إلا أن زوجة والده «صغرته خارج المنزل» (طردته) حسب تعبيره، استقبله الشارع، استدرجه للسرقة، جربها مرة واحدة فقط، فسرق “أواني نحاسية”، ثم أصبح مشتبهاً به في أي سرقة تحدث في الحي، ومنقاداً إلى المخفر لاستجوابه.

نقلته سرقة “الأواني النحاسية” إلى المخفر و من المخفر إلى المحكمة و من المحكمة إلى مركز الإصلاحية في “الشير”، الذي بقي فيه 6 أشهر و 9 أيام ، وذلك في العام 2016، خاض خلالها مختلف أنواع العنف التي تحدث عنها بالتفاصيل لـ”سناك سوري”.

الشرطة والأستاذ شركاء في الضرب

يقول “م.ي”: «شرطة الإصلاحية تولت ضربي شاركها الأستاذ، وسلاحهم دائماً “الأكبال الهاتفية”، وغالباً ما يكون الضرب على الظهر والقدمين والأكتاف».

يروي قصة عاشها في الاصلاحية، حيث و«ذات مرة كان الأستاذ مزعوج فأمرني “انبطح” قلت له “لماذا؟” أجاب “هيك جاية عبالي اضربك”، رفضت، فزاد غضبه وطلب شرطة الاصلاحية، التي وضعتني مباشرة في غرفة “العزل” وهي غرفة مظلمة تجول فيها الفئران، لمدة ثلاث ساعات، ثم ضربوني 6 عصايات على يديّ وأخرجوني»، يضيف: «غضبت من معاملتهم وظلمهم فهاجمت الأستاذ ودفعته إلى الحائط، هكذا فعلت بكل صراحة».

اقرأ أيضاً: اللاذقية: أطفال تعرضوا للضرب في قسم الشرطة.. الأحداث ظلم في المجتمع والعقاب

لا حوار و لا دراسة داخل الاصلاحية!

«لا يسألنا أي أستاذ (المكلف بتدريسهم داخل الإصلاحية) عن سبب قدومنا، أو يحاول التعرّف علينا، أو يسمع مشكلتنا أو ظروفنا أو وجهة نظرنا»، يقول “م.ي” ويضيف: «كل ما يفعلونه أنهم يتركون الأطفال لساعات طويلة في المهجع، و لا يوجد حصص دراسية أو نشاطات أو ألعاب، كل ما لدينا لعبة واحدة فقط وهي “الورق” أو “الشدة”، نجلس مع بعضنا ونلعب الورق، كل ما حصلت عليه من تعليم خلال فترة إقامتي في الإصلاحية هي دورة “محو أمية” أجراها لنا شبان قالوا إنهم من “الهلال الأحمر”».

عودة للاصلاحية .. هل اختلفت المعاملة بعد ثلاث سنوات؟

«خرجت من الاصلاحية في شهر تشرين الأول الماضي، بعد أن قضيت فيها ثلاثة أشهر، بتهمة أنني أعمل في التسول»، يصف الطفل “م.ي” الإصلاحية بعد غيابه عنها ثلاث سنوات ويقول: «رغم أنني ضُربت فور وصولي وتم تقييدي و وضعي على كرسي وضربي، لأنني رفضت قص شعري (وهو تقليد مُتبع في الإصلاحية، جميع الأطفال يتوجب عليهم حلق رؤوسهم على الصفر)، إلا أن هناك بعض التغيير في عدد الأساتذة الذي ازداد وأصبحوا 12 أستاذ، و رغم أنهم لم يجلسوا معنا أو يسمعوا مشكلاتنا، إلا أن أستاذا واحداً وآنسة واحدة كانا رائعين».

نحتاج لأساتذة مثلهما في الاصلاحية 

يشرح الطفل كيف توصل لأخذ انطباع جيد عن المعلمين اللذان يذكرهما بطيب، فيقول: «الأستاذ “ش” لا أعرف اسمه الكامل، لكنه رائع حقاً، جلس معي وسألني عن عائلتي و ظروفي و ماذا فعلت، كان يحكي لي القصص ويضحكني، ويقول لي “أنت ولد شاطر”، يلاعبنا أحياناً يمازحنا يروي لنا الحكايا، أما الآنسة “… نحتفظ باسمها” حاولت أن تجمع شهادات من الأطفال، أنهم يتعرضون للضرب، وقالت لنا: سأتواصل مع السياسية لتأتي إلى هنا لكن يتوجب عليكم أن تتكلموا وتشرحوا ماذا يحدث لكم، لكن الموضوع تم كشفه ولم تنجح محاولتها وتم تهديد جميع الأطفال إذا نطقوا بكلمة واحدة عن العنف».

اقرأ أيضاً: وزارة الشؤون الاجتماعية : ملاحقة التسول ليس من اختصاصنا!

“ي .خ” طفل خجول سرق حبة “إيكيدنيا”

أما قصة الطفل “ي.خ” فهي مختلفة، لأنه لم يسرق يوماً، لكنه انقاد إلى مخافر اللاذقية لأنه مع أصدقائه حاول قطف كم حبة “إيكدينيا” من حديقة أحد المنازل، جاءت دورية الشرطة وأوقفتهم جميعاً، وبقي اسمه في المخفر، ومع كل سرقة جديدة تصلهم يسوقونه، وآخرها كانت اتهامه بالتسوّل.

يقول الطفل “ي.ح” 12 عام قصته لـ”سناك سوري”: «عقابي في الإصلاحية دائماً كلمة “انبطح” والضرب بالأكبال، أما التدريس فكان شبان من “الهلال الأحمر” يدرسوننا كل أسبوع، الطعام كانت تقدمه حسب ما كنا نسمع جمعية تسمى “جمعية أسرة الإخاء” وهو عبارة عن شوربة ولبنة وبيض ومعكرونة، أما اللحوم والخضار والفواكة كنا نراها فقط في أحلامنا».

«كل 20 طفل في مهجع ولكل طفل سرير وغطاء، التدفئة متوفرة، أما كيف كنت أسلّي نفسي فبصناعة الخرز الوقت طويل لا دراسة لا واجبات، أفضل من لعب الورق، كنت أحب صناعة أطواق وأشكال من الخرز».

دور الإصلاحية حالياً غير مُصلح

يقول الناشط الاجتماعي والمهتم بقضايا “الأحداث” “رامي فيتالي” تعليقاً على دور “الإصلاحية” لـ”سناك سوري” «أعتقد أن دور الاصلاحية يصبح فعالاً عندما تقوم بما كانت تقوم به جمعية قرى الأطفال (SOS) في طرطوس منذ نحو عامين، عندما كانت تهتم بالطفل من كافة النواحي اجتماعياً ونفسياً ودراسياً، يسمعون مشاكلهم يحاولون علاجها، و تحسين حالتهم النفسية خطوة بخطوة، حتى يصبح الطفل قادراً على مغادرة المكان والعودة الى مقعده الدراسي في المدرسة، وليس إلى الشارع كما يحدث عند مغادرة الطفل للاصلاحية».مضيفاً «أغلب الأطفال الذين عرفتهم بعد مغادرتهم جمعية “قرى الأطفال” لم يعودوا إليها أبداً بل إلى مدارسهم».

خلاصة الكلام يقول “فيتالي” «هل من المعقول أن القائمين على الإصلاحية لم يسألوا أنفسهم لماذا يعود الطفل ذاته أكثر من مرة إلى الإصلاحية بعد خروجه؟ لو حصل فعلاً على الإصلاح لما عاد أبداً، لذلك مهمة الإصلاحية برأيي هي إصلاح الطفل أي إعادة بناء إحساسه بذاته و بأهميته، ومده بالحب والحنان والأمان، وتوعيته بأهميته كفرد في المجتمع، وخطورة الشارع على حياته مستقبلاً، و تقويم سلوكه وتوجيهه نحو الدراسة، و خلق بيئة إيجابية خلال فترة إقامته في الإصلاحية تكون هذه البيئة كفيلة باقتناعه و عدم رغبته بالعودة إلى الشارع بعد خروجه، بل إحساسه أنه شخص مُختلف فاعل ومهم في هذا المجتمع، إضافة للتواصل مع عائلة الطفل لتوعيتها وتأهيلها إن لزم الأمر، وليس سجن كل 20 طفل في مهجع لساعات طويلة دون دراسة أو القيام بأي نشاط مفيد، علاوة على تعرّضهم للضرب والإهانة كما روى لي الكثير من الأطفال».

رأي رسمي 

مدير الشؤون الاجتماعية والعمل في اللاذقية “أحمد إبراهيم” تعليقاً على الموضوع قال إنه «خلال الثلاثة أشهر الماضية تغيّر الوضع في إصلاحية الشير نحو الأفضل، قمنا بتعيين مدير جديد، يتعاون معنا على تحسين وضع الأطفال، كما منعنا الضرب نهائياً بكافة أشكاله، وحذرّنا عناصر شرطة المخفر من الدخول إلى الإصلاحية أو التهجم على الأطفال أو تعنيفهم، أي يوجد الآن رقابة على عمل عناصر الشرطة وعمل المشرفين، وسنعمل على تركيب كاميرات تصوّر بشكل مباشر ما يجري».

مدير الشؤون أحمد ابراهيم

بالنسبة للساعات الطويلة التي يقضيها الطفل خلال النهار في الإصلاحية قال “إبراهيم”«قامت جمعية رعاية المساجين بتأسيس مكتبة داخل إصلاحية الشير للأطفال، وعادت الحصص الدرسية منذ نحو ثلاثة أشهر، كما عيّنا المرشدة الاجتماعية والنفسية “يارا شلغين” التي تعمل على سماع مشكلات الأطفال ومدهم بالنصيحة والاهتمام بهم، وسنعمل على مراقبة كافة العاملين في إصلاحية الشير ومحاسبة كل من يحاول إعاقة عملنا وخطتنا الجديدة وهي إصلاح الأطفال بشكل فعلي».

وعن إمكانية التواصل مع الأطفال ودعمهم بعد خروجهم من الإصلاحية يقول “إبراهيم” «لا أنكر العام الماضي كان عاماً أسود بالنسبة لإصلاحية الشير، ولم تستطع إصلاح الأطفال كما هو مطلوب منها، لذلك كان معظمهم يعود أكثر من مرة، لكن أيضاً هناك مشكلة تواجهنا هي عائلة الطفل التي تجبره على العودة إلى الشارع والتسوّل، أما التواصل مع عائلة الطفل الجانح وتأهيلها مادياً أو نفسياً أظن أنها خطوة صعبة حالياً لعدم توفر كوادر لدينا تقوم بهذه المهمة».

ماذا يقول القانون؟

يشرح المحامي “كمال سلمان” لموقع “سناك سوري” الرأي القانوني الخاص بعمل الإصلاحية ويقول «القانون السوري فرض رقابة من محكمة الأحداث متمثلة بقاضية الأحداث على عمل الإصلاحية، حيث تجري المحكمة زيارات بشكل دائم إلى المعهد (الإصلاحية) للتأكد من سلامة الأطفال ورعايتهم من قبل العاملين داخل المعهد (الإصلاحية)»

«يؤكد قانون الأحداث من المادة 5 حتى المادة 11 سلطة قاضي الأحداث على عمل المعهد (الإصلاحية)، وتتألف محكمة الأحداث من قاضي محكمة الأحداث و ممثل عن الشؤون الاجتماعية والعمل وممثل عن التربية واثنين حاصلين على شهادة عامة، يتم تسميتهم بموجب مرسوم ، حيث تجري محكمة الأحداث بمؤازرة من قبل “مكتب الخدمة الاجتماعية” زيارات و تحقيقات وتقارير عن عمل المعهد (الإصلاحية) ويتم رفعها إلى قاضية الأحداث للاطلاع عليها».

يضيف المحامي “سلمان” «من خلال تجربتي مع الأحداث الجانحين لمدة 18 عام،  أستطيع أن أقول أن المحافظ يتدخل بصورة مباشرة بكل كبيرة وصغيرة، و مدير الناحية التابع له مركز الأحداث الجانحين يتدخل أيضاً،  و قائد الشرطة و النيابة العامة كطرف من الأطراف الأساسية، إضافة إلى مدير الشؤون الاجتماعية والعمل والموظفين و هم القائمين فعلياً بكل الإدارة، أما جمعية رعاية المساجين دورها تنموي تقدم خدمات لها علاقة بالصحة والتعليم ومحو الأمية ودفع الكفالات والدفاع عن الأطفال، بالإضافة للبرامج التعليمية والترفيهية والتثقيفية».

اقرأ أيضاً: طفلة الشعلة في دمشق: أمي ميتة وأبي بالسجن

هي القصص التي رواها أحداث عايشوها في”إصلاحية اللاذقية”، ماذا عن الإصلاحية في مناطقكم، كيف هو حالها هل تعرفون تجارب لأطفال مروا بها، هل هي جيدة، هل يعود الأطفال الذي يخرجون منها إليها بعد وقت قريب؟ شاركونا قصصكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى