إقرأ أيضاالرئيسيةتقارير

الفيسبوك.. استثمار جديد فشلت الحكومة في استغلال إيجابياته

الفيسبوك موطن 5 ملايين سوري.. لماذا يخشاه المسؤولون عنهم؟!

سناك سوري-رحاب تامر

«هالفيسبوك خرب البلد»، لا أنسى وجه مديري السابق وهو يقول هذه العبارة، بعد منشورات من “اسم مجهول” اتهمه بالفساد، وأرفق اتهاماته ببعض الوثائق.

«الوزير أكبر من إنو يسمع لحكي فيسبوك»، قالها بعد أن جمعنا في اجتماع عاجل استمر أكثر من ساعة ونصف لبحث تطورات “تناوله عبر الفيسبوك”، وكان سياق الاجتماع تهديداً بأن “الأمن” سيعرف بالتأكيد الشخص الذي كتب تلك المنشورات “المسيئة” والمدير سيتولى أمر معاقبته و”منشوف”.

الفيسبوك والأزمة دخلا البلاد معاً

أفرجت الحكومة السورية عن الفيسبوك وألغت حظره في البلاد قبيل انطلاق الأزمة السورية بحوالي الشهر تحديداً في 8 شباط 2011، وكان السوريون في تلك الفترة يزينون كلماتهم عليه جيداً بكل تأني، واكتفى الغالبية منهم بالأسماء الوهمية وبضع منشورات شاعرية بالإضافة لمشاركة الأغاني من اليوتيوب.

حين بدأت علائم الأزمة شهر آذار من العام ذاته، توجه السوريون إلى الفيسبوك يستلقون منه الأخبار التي توفرت بكثرة به، في حين كان الإعلام الرسمي السوري (العصافير تزقزق) منكفئاً على ذاته رافضاً الحديث عما يجري، والإعلام العربي والغربي استغل هذه الثغرة وبدأ يقدم روايته عما يجري في البلاد.

سرعان ما تحول الفيسبوك إلى نجم، وبرزت من خلاله العديد من الشبكات التي كانت تنقل الأخبار بدقة لكن دون حرفية، وبرز ما يسمى بالإعلام الشعبي غير الموجه، الذي استفاد منه المغتربون أكثر من غيرهم، في معرفة ما يجري داخل بلادهم البعيدة.

صفحات رسمية

بدأت مؤسسات الدولة ووزاراتها بالتواجد على الموقع الأزرق عبر صفحات رسمية، بعد أن أنشأت رئاسة الجمهورية السورية صفحتها الرسمية على فيسبوك عام 2013.

وكان الأمل كبيراً أن تعتمد صفحات الحكومة الفيسبوك كوسيلة تواصل بينها وين المواطنين، لكن ما جرى كان مختلفاً تماماً، حيث اكتفت تلك الصفحات بعرض “ما تريد” من اجتماعاتها ومنجزاتها، وغالباً كانت تعتمد على مشاركة روابط الإعلام الرسمي الذي يغطي نشاطاتها باستفاضة واضحة.

بلغ عدد السوريين على فيسبوك حتى عام 2018 أكثر من 5 ملايين سوري بحسب إحصائية أجراها موقع “Hootsuite”، هذا التواجد السوري الضخم والتفاعل الكبير على موقع فيسبوك فرصة حقيقية للحكومة لمعرفة هموم هذا المواطن ومساعدته في تجاوزها، إلا أن ما جرى لاحقاً كان مختلفاً جداً!.

سوريون خرجوا عن صمتهم

مع تتالي الأزمات المعيشية وتصريحات بعض المسؤولين “الغريبة”، تحول الفيسبوك بين ليلة وضحاها إلى منبر حقيقي للمواطن السوري، يطرح من خلاله همومه ومشاكله التي عجز عن حلها بمساعدة المسؤولين عنه.

وبدأ الأمر من خلال الحديث عما يجري في “الهونولولو” و”دول الموزامبيق”، في محاولة سورية “ظريفة” لتجاوز الآثار السلبية جراء تجاوز “الخطوط الحمراء”.

لم يدم الحال على هذا النحو مع اشتداد الأزمات المعيشية التي فشلت الحكومات المتعاقبة خلال الأزمة في وضع حد لها والتخفيف من آثارها، وبات السوريون لا يخشون لومة لائم، وأطلقوا أصابعهم لتعبر بوضوح قاسي عن قساوة أيامهم وما يعانون فيها جراء الحرب والفساد والفقر.

نكسة آذار الثانية!

بينما كان السوريون يمارسون صلاحياتهم ودورهم الرقابي على المسؤولين وأدائهم، كان الأخيرون يعدون طبختهم على نار “قوية”، ونضجت “البطخة” أواخر شهر آذار عام 2018، حين صدر قانون إحداث محاكم جزائية مختصة بالنظر في الجرائم المعلوماتية، وكانت تلك نكسة آذار الثانية الذي سبق وأن شهد انطلاق الحرب السورية عام 2011!.

صمت السوريون قليلاً في محاول لامتصاص الصدمة، لكن من امتص صدمة الحرب السورية غير عاجز عن التغلب على التجريم الإلكتروني، عادت المنشورات الساخنة بقوة وعاد معها الحديث عن أزمات “الهونولولو” و”بلاد الواق واق” و”دول الموزامبيق الشقيق”!.

كانت تهمة “وهن عزيمة الأمة وإضعاف الشعور الوطني” حاضرة دائماً وتتسع لكل سوري ناقد، كان صدر تلك التهمة أوسع من صدر المسؤولين أنفسهم على احتمال تنفيسات المواطن الذي خسر كل شيء ابتداء من جيبه وحتى أعز ما يملك، أولاده!.

بدأ اعتقال الناشطين والصحفيين الذين مازالوا بانتظار صدور قانون الإعلام الخاص بهم والذي بدأ الحديث عنه قبل قانون الجريمة الإلكترونية إلا أن الأخير سبقه!، وتمكن بعض المسؤولين من الانتقام شر انتقام من كل منتقديهم كما في حالات كثيرة منها، قصة وزير السياحة السابق “بشر يازجي” مع الصحفي “فهد كنجو“، ووزير الأوقاف “محمد عبد الستار السيد” مع المخرج “مهران صالح“، وحتى ما حدث مع الناشط الدكتور “أمجد بدران“.

ومرة أخرى فشل المسؤولون في استغلال الفيسبوك لاستقطاب المواطن وردم الهوة الكبيرة فيما بين الطرفين، على العكس بل وساهموا في زيادة اتساعها.

مجلس الشعب وجدلية “اللايك السوري”

لم يكن أداء بعض ممثلي الشعب في التعامل مع الفيسبوك أقل سوءاً من أداء بعض المسؤولين في الدولة، فهاجم عدد من النواب ناشطي الفيسبوك الذين ينتقدون أدائهم، حتى وصل الأمر برئيس المجلس “حمودة الصباغ” لوصف من يهاجم الحكومة والمجلس عبر الفيسبوك بأنهم “مدارون من الخارج”!.

ومرة أخرى بدلاً من استغلال الفيسبوك لتحقيق قدر من التواصل بين النائب وناخبيه، بدأ نواب الشعب بانتقاد منشورات بعضهم البعض على الفيسبوك، كما حدث مع النائب “نبيل صالح” الذي اتهموه بنشر منشورات مسيئة لحزب البعث والدين الإسلامي مطالبين إياه بالاعتذار، وقبله النائب “وضاح مراد” الذي اتهمه بعض زملائه باستخدام الفيسبوك لنشر أحاديث تسيء إلى مهنة البيطرة، ووصف الشعب السوري بألفاظ غير “لبقة”.

صالح” وبعد أن حرمه رئيس المجلس من الرد على تهم زملائه تحت القبة، اضطر للجوء إلى الفيسبوك لنشر رده!، وقال خلاله إنه يجب احترام اللايك السوري بوصفه صوتاً يمثله النواب في المجلس.

النائب “المتهم” تحدث عن فكرة هامة، متسائلاً عن «سبب التحامل الرسمي ضد الفيسبوك وأهله الذين وقفوا مع الدولة وغطوا الجزء الناقص في إعلامها الرسمي»، وطالب بالاعتراف بأهمية وسائل التواصل الاجتماعي «في إيصال صوت الهامشيين إلينا وتخفيف تغول محاكم الجرائم الإلكترونية على حرية الناس في التعبير التي كفلها الدستور».

الفيسبوك وتغيير الواقع

تمكن السوريون عبر الفيسبوك من تغيير قرارات كثيرة، كما في حالة موضوع سوق الهال ببلدة “رأس العين” في “جبلة”، حيث نجح بث مباشر لهم في الوصول إلى محافظ “اللاذقية” الذي أنصفهم لاحقاً.

نجح السوريون أيضاً في إلغاء أو تأجيل فكرة تقنين الإنترنت وتحجيمه بباقات شهرية، على زمن وزير الاتصالات السابق “علي الظفير”.

ساعد الفيسبوك السوريين أيضاً بموضوع العودة عن قرار إغلاق محال البالة على زمن وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك السابق “عبد الله الغربي”.

ساهم السوريون عبر الفيسبوك من خلال انتقاد قانون الأوقاف بتغيير بعض بنوده، واضطر وزير الأوقاف للخروج بمقابلة تلفزيونية لتوضيح الأمر للناس الذين تخوفوا منه العام الفائت.

كما ساعدت حملات السوريين على الإسراع بإطلاق سراح بعض معتقلي “الجريمة الإلكترونية”، مثل الناشط “أمجد بدران”، والناقد “ياسر دريباتي“، وغيرهم.

ربما يخشى بعض المسؤولين من التغيير، خصوصاً أن الفيسبوك والرقابة التي يمارسها ناشطوه على أدائهم، تتطلب من المسؤول مضاعفة العمل بشكل متقن بعيد عن الهفوات والتركيز أكثر على قضايا المواطن الأساسية والإنطلاق من احتياجاته لاتخاذ القرارات، وليس من احتياجات الحكومة نفسها!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى