الرئيسيةرأي وتحليل

الفساد هو المصدر المُغذّي للعنف – ناجي سعيد

الفاسدون ارتدوا عباءة الدين والوطنية للدفاع عن صورتهم في المجتمع

سناك سوري-ناجي سعيد

من الصعب جدًّا على الإنسان أن يتّخذ قرارًا بتطوير ذاته، فتطوير الذات لمواكبة العصر مثلاً، ليس مفهومًا يُحصر باقتناء واستخدام الأدوات التكنولوجيّة. مواكبة العصر قبل ذلك هي الاطّلاع ومعرفة مفهوم الحداثة التي تكون بالشكل والمضمون. والتمكّن من الحداثة على مستوى المضمون كفيل بوجود قيم تبعد هذا المفهوم عن الطبقيّة الاجتماعية الثقافيّة.

الحداثة ليست رداء نتزيّن به عند الحاجة. حيث لا بدّ من وجود أساس متين للحداثة، ومن الطبيعي أن يتشكّل هذا الأساس من مصدر التربية الذي يبدأ بتكوين شخصيّة الإنسان، ولو سألنا عن مصدر التربية لدى كلّ إنسان، الدين وعلم التربية. حيث يعلن الدين مسؤوليّته عن أخلاق الناس، فمن لا يعرف الحديث النبوي: ” إنما بعثتُ لأتممَ مكارمَ الأخلاقِ”. ولا شكّ أن الدين يتلاقى مع التربية، حيث إنّ أساس هذه التربية الحقوقي يدعو في كلّ مراجعه وعلمائه إلى احترام الأخلاق. والأخلاق تُختصر بـ: ” احترام الآخر وقبول الاختلاف”. وهذا ما يجمع الدين والتربية. ويُعتبر خارجًا عن المسار الأخلاقي من يناقض هذه القاعدة.

وقد دعا الدين تحديدًا إلى أكثر من احترام وقبول الاختلاف، بل إلى إغاثة المحتاج ومساعدة الملهوف. وفي الحديث في فضل إغاثة الملهوف: “على كلِّ نفسٍ في كلِّ يومٍ طلعتْ عليه الشمسُ صدقةٌ مِنهُ على نفسِهِ.. ويَعزِلُ الشَّوكَ عن طريقِ الناسِ، والعظْمَ والحجَرَ، وتَهدِي الأعْمَى، وتُسمِعُ الأصَمَّ والأبْكمَ حتى يَفقَهَ، وتُدِلُّ المستدِلَّ على حاجةٍ لهُ قدْ علِمتَ مكانَها، وتَسعَى بِشدَّةِ ساقَيْكَ إلى اللَّهْفَانِ المستغيثِ، وترفعُ بشِدَّةِ ذِراعيْكَ مع الضعيفِ، كلُّ ذلكَ من أبوابِ الصدَقةِ مِنْكَ..”.

وهنا أستطيع القول بأن الأديان السماوية على تعدّد رُسلها واختلاف رسالتها، تجتمع بمقاربة واحدة هي المسار اللاعنفي الذي يقدّم للمؤمن أدوات سلوك لاعنفي (لفظي وغير لفظي). ولا أودّ الدخول في جدليّة “عنف الأديان”. لكن قراءتي ومعرفتي (بحسب ما يقولون) بأن الدين لاعنفي! ولست أحاول في المثل الذي سأورده رمي الاتهام على فكر ديني مُحدّد، فهذا الاتّهام يفتح باب التاريخ الذي يحتمل عدم صواب تلقّي رسالة الدين السماويّة. ومَن مِنَ الأديان على حقّ ومن منهم على خطأ.

اقرأ أيضاً: الهوية لاتلغي هوية.. العنف وحده يجعل كل الهويات قاتلة-ناجي سعيد

لكنّ حديثي الواقعي، يطال مفهوم الفساد. فالفساد هو المصدر المُغذّي للعنف! وقد يهبّ مدافعًا عن معتقده الديني، من يسمع بأن أحد أفراد ملّته قُبض عليه بقضيّة فساد. وبردّة فعل ناتجة عن فهمه القويم لدينه، يُبرّر الحريصُ على مُعتقده الديني، بأن هذا الفاسد المقبوض عليه لا يمثّل دينه!! نعم، قد أوافق على هذا، فالرسالة السماوية لأي دين إلهي نزل وحيًا على إنسان اصطفاه الله لحُسن أخلاقه، حاول الرُسل إبلاغ الرسالة لعامّة الناس، مع اليقين التامّ بقصور موجود عند العامّة لفهم الرسالة السماويّة.

لكنّ الرُسل لم يخطر ببالهم أن فسادًا ظهر من خلال أمراض نفسيّة ومجتمعيّة، أصابت أفرادًا احتكروا موادًّا غذائية وحاجات أساسيّة (كالدواء والوقود) لكسب المال، وتجميع ثروة على حساب أرواح الفقراء والمحتاجين. فقد قال الإمام عليّ: “ما جُمع مالٌ إلاّ من شُحٍّ أو حرام”! وللمزيد من خداع الناس، فقد ارتدى الفاسدون عباءة الدين، للدفاع عن صورتهم في المجتمع.

فيرى الناس صورة بهيّة نقيّة تُبعد الشكوك عن الفاسدين. فيُخدع المواطن المؤمن ويقول: ليس من المعقول أن يغشّنا، فقد قال الرسول: من غشّنا فهو ليس منّا. وقد ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي الفاسدين في الغشّ، حيث نشر الفاسدون صورُا لهم في بيوت الله، لتظهر سيماهم على وجوههم من كثر السجود.

مثلا في بلدي لبنان وربما في غيرها، إنّ موزّع الأدوية الذي احتكر الأدوية في مخازن تحت الأرض ليس مؤمنًا، وصاحب أكبر سلسلة محطّات للوقود فاسد بتخزينه الوقود وإخفائه عن الناس التي تحتاجه للضرورة. في اللاعنف كما في الدين أخلاقًا تتّسم بالشفافيّة لإغاثة الملهوف، ومساعدة الآخر. الاحتكار يزيد الأزمة تعقيدًا، ويجعل الفاسد مُتلهّفًا لجمع ثروته على حساب صحّة المريض، وحياة الفقير، وهذا قمّة العنف المُدمّر للبشريّة في وطن شعبه لا يجرؤ على الصراخ.. ولا أعلم لماذا؟ وقد قال أبو ذرّ الغفّاري (ويُنسب إلى الإمام عليّ في بعض المراجع): “عجبتُ ممّن لا يجد قوت يومه ولا يخرجُ على الناس شاهرًا سيفه”.
بقي أن نشير أنه هناك أشبه كثر لمن يرتدون لباس الدين لستر فسادهم أبرزهم من يرتدون لباس الوطنية المخادعة.

اقرأ أيضاً: الحاجة الأساسيّة وإتّباع أيديولوجيات “عالعميانة” – ناجي سعيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى