الرئيسيةتقارير

العيدية.. الحاضر الغائب في حياة السوريين وأطفالهم

من “دمشق” وحتى “ألمانيا” مروراً بـ”الحسكة”.. هذا ما حصل عليه الأطفال السوريون في هذا العيد!

سناك سوري-فريق التحرير

«دفعنا 2500 ليرة بأقل من ساعة في مدينة الملاهي فقط ثمن قسائم أربع لعبات لطفلتين»، تقول السيدة “عفراء” التي رافقت طفلتيها بزيارة لمدينة الملاهي في “اللاذقية” بأول أيام العيد، وتضيف: «وطبعاً 2500 أخرى ثمن آيس كريم و”أكلات طيبة”، قبل أن أشهر إفلاسي وأعود إلى المنزل بسرعة، أعتقد أن تلك الساعة أو أقل من ساعة كانت كافية لنعتزل العيد بأول أيامه».

قد تبدو الـ5000 آلاف ليرة تلك زهيدة جداً في الوقت الحالي، لكنها أقصى ما يستطيع الموظف دفعه في الثلث الأخير من الشهر، وهو بالتأكيد لم يدخرها من راتبه الهزيل إنما اعتمد في تأمينها على مصادر دخل أخرى، كالعمل الإضافي الذي يمارسه الشعب السوري بكثرة هذه الأيام.

“عفراء” امتنعت عن تقديم العيدية لطفلتيها واعتبرت أن زيارة مدينة الملاهي تلك تختزل أيام العيد الأربع، تضيف: «ربما يحصلن على مئة ليرة أخرى في باقي أيام العيد لشراء بسكوتة فقط».

لم تعد العيدية أمر يطرب له الصغار في ظل تراجع الدخل والوضع المعيشي الصعب الذي تشهده البلاد، فقد تراجعت مع تراجع سعر صرف الليرة السورية، وحتى الأهل صاروا يستخدمون مفردات التجار في تبريرهم لأبنائهم تراجع قيمة العيدية، «بس ينخفض الدولار بتحسو بالعيدية يا ولاد، حالياً عيشوا معنا تبعات الحرب».

مراسلو “سناك سوري” استطلعوا آراء الناس في مناطقهم للتعرف على قيمة العيدية وكيف اختلفت عما قبل عام الـ2011، والذي شكل علامة فارقة في حياة السوريين، وكانت النتيجة:

دمشق-محمد عبد الله:

لا يستطيع أي احصاء معرفة القيمة الوسطية الحقيقية للعيدية في “دمشق”، مع التفاوت الطبقي بين أحيائها وازدياد عدد الوافدين فيها، وبحسب حديث الأهالي فإن شريحة الموظفين وعامة الشعب يقدمون عيدية حوالي 200 إلى 500 ليرة، بينما يقدم الميسورين حوالي 1000 إلى 2000 ليرة، وهناك ذوو الطبقة المخملية ومحدثي النعمة وهم شريحة لا بأس بها تقدم أكثر من 10000 آلاف ليرة سورية لكل طفل من أطفالها.

في حين تتراوح أسعار بطاقات ألعاب مدينة الملاهي من 200 وحتى 1500 ليرة سورية، بحسب المدينة وألعابها وشهرتها.

السويداء-رهان حبيب:

يسجل الأطفال موقفاً احتجاجياً أمام أهلهم، ويقارنون أنفسهم بزملائهم من ميسوري الحال والطبقة المخملية الذين حصلوا على عيدية مضاعفة عدة مرات عما حصل عليه أبناء الموظف، حتى الأخيرين يبدون أوفر حظاً مقارنة بأبناء غير الموظف من عامة الشعب.

يؤكد الأشخاص الذين استطلعنا آرائهم في مدينة الملاهي، أن العيدية ما قبل عام 2011، كانت تبلغ في متوسطها لذوي الدخل المحدود والموظفين 200 ليرة تزيد أو تنقص بحسب الوضع المعيشي آنذاك وتوقيت قدوم العيد، فمجيئه أول الشهر مع قبض الرواتب ليس كمجيئه منتصف أو آخر الشهر، الـ200 ليرة تلك كانت تكفي على سبيل المثال اللعب بالأرجوحة في مدينة الملاهي والتي لم تكن تتجاوز الـ5 ليرات بالإضافة لشراء “الأكلات الطيبة”.

متوسط العيدية اليوم لا يتجاوز الـ750 ليرة في أحسن الأحوال لدى الموظفين وعامة الشعب، بينما يبلغ ثمن اللعب بذات الأرجوحة من 50 إلى 100 ليرة بحسب موقعها، في حين أن أطفال كثر لم يحصلوا على أي عيدية.

اقرأ أيضاً: العيدية.. منعتها الحكومة فحُرم الأطفال منها!

طرطوس-نورس علي:

في محافظة “طرطوس” هناك 3 نماذج للأسر من حيث إعطاء العيدية، وبحسب ما رصد “سناك سوري”، فإن النموذج الأول ويمثل الزوجين الموظفين يعطي 1000 ليرة للابن الكبير و500 للابن الصغير، في حين يقدم النموذج الثاني وهم فئة الموظف الواحد في العائلة العيدية فقط للابن الصغير بمعدل 500 ليرة، أما النموذج الثالث وهو الأكبر ويمثل عامة الشعب فإنه لا يعطي الأطفال أي عيدية، بل يكتفي بشراء الملابس التي سيستفيد منها الأطفال لاحقاً في المدرسة “عصفورين بحجر واحد يعني”.

الأمر الإيجابي لدى الأطفال في “طرطوس” أن غالبية الأسر تلجأ للحدائق العامة لتمضية مشاوير ونزهات العيد، وهي حدائق مجانية كـ”الباسل” و”تشرين” والطلائع”، حيث ينتشر فيها الباعة المتجولون، لتحتل “البوظة” الحلويات الأكثر رواجاً لدى الجميع، والمدلل قد يحصل على “سندويشة شاورما”.

العيدية بحسب ما قاله الأهالي الذين استطلع “سناك سوري” آرائهم لم تكن تتجاوز الـ200 ليرة للابن الكبير والـ100 ليرة للابن الصغير ما قبل عام 2011، في حين لا تتجاوز اليوم الـ500 ليرة كمعدل متوسط، تختلف بحسب اختلاف مدخولات الأسر لكنها بالتأكيد لا تزيد عن 1000 ليرة في أحسن الأحوال لدى الغالبية.

اقرأ أيضاً: في العيد مقابر السوريين حدائقهم والطريق إليها لم يعد مقفراً طويلاً

الحسكة-آزاد عيسى:

في مدينة “القامشلي”، يدفع الوالد مبلغ 500 ليرة لكل طفل من أطفاله الصغار كعيدية لهم في حال كانوا 4، أما إذا فاق عدد أولاده هذا العدد فيتم تقسيم الـ2000 ليرة عليهم بالتساوي، باختصار المبلغ المرصود للعيدية هو 2000 ليرة لدى 70% من الأسر التي استطلعنا آرائها في المدينة وريفها والتي تنتمي لذوي الدخل المحدود وعامة الشعب، يقول الغالبية من الأباء، إنهم يقطعون تلك العيدية من مصروف البيت بصعوبة بالغة لكنهم يريدون الاحتفاظ بها كرمزية للعيد الذي لم يعد أبداً عيداً بمفهوم السوريين للأعياد والسبب الحرب والغلاء.

يقول “خالد” وهو أب لـ3 أطفال: «ادخرنا أنا وزوجتي النقود من رواتبنا منذ عيد الفطر الفائت لنتمكن من منح العيدية لأطفالنا، المشكلة أننا نواجه موسم المدارس والمؤونة وهذا ما أدى لعدم تمكننا من منح المبلغ الذي أردنا تقديمه فاكتفينا بـ500 ليرة لكل واحد منهم، وهذا المبلغ لا يكفي الطفل أكثر من 5 دقائق في مدينة الملاهي، لكنها الأحوال التي يجب أن نتأقلم معها نحن وأطفالنا».

أما ما قبل عام الـ2011، فكان كل طفل يحصل على 100 ليرة، وهو حر التصرف بها سواء للمثلجات أو الألعاب، في حين يلتزم الأهل بإخراجهم للنزهة مرتين على الأقل خلال العيد، إحدى تلك المرات تكون مثلاً الخروج والغداء بأحد المطاعم.

هناك شريحة أخرى وهي شريحة عامة الشعب لا تعطي الطفل أكثر من 200 ليرة، في حين كانت تقدم له قبل عام 2011 مبلغ 50 ليرة عيدية، يصرفها الطفل على الألعاب والمثلجات والنزهات الصباحية مع أصدقائه، في حين لا تكفي الـ200 ليرة أكثر من شراء بسكوتة وقطعة مثلجات صغيرة جداً.

اللاذقية-علا بدور:

ولا تختلف “اللاذقية” عن شقيقاتها من المحافظات السوريات، العيدية كانت أحد أساسيات العيد فيها ما قبل التاريخ المشؤوم 2011، حيث كانت تتراوح بين 50 إلى 500 ليرة، أو حتى 1000 ليرة بحسب الحالة المادية والوضع الاقتصادي للعائلة، مع ملاحظة أن الأطفال كانوا يحصلون على عيديات من أقربائهم أيضاً، وكانت تلك الأموال بمثابة ثروة آنذاك.

في الوقت الراهن اقتصرت العيدية على ميسوري الحال، أما ذوو الدخل المحدود “على اعتبار أن دخلهم محدود وليس معدوم طبعاً”، فإنهم يلجؤون لإعطاء أولادهم الدخل اليومي المعتاد والذي لا يتجاوز الـ100 ليرة، وقد يصطحبون أولادهم في نزهة لإحدى الحدائق العامة التي تحوي بعض الألعاب المجانية البسيطة كالأرجوحة أو الزحلوطة، وينتظر الطفل دوره فتلك الألعاب تشهد زحاماً كبيراً كونها مجانية.

قسيمة مدينة الملاهي ما قبل عام 2011 كانت في حدودها الدنيا 15 ليرة وفي حدودها العليا 25 ليرة، بحسب مدينة الملاهي وألعابها، أما اليوم فإن أقل قسيمة يبلغ ثمنها 100 ليرة وأعلى قسيمة 200 ليرة، علماً أن بعض الألعاب يحتاج الطفل للعب بها إلى قسيمتين اثنين أو ثلاثة لمدة زمنية لا تتجاوز الـ4 دقائق كالسيارات والقطار والطائرات.

الطفل “علي” البالغ 10 سنوات الذي كان برفقة والدته وشقيقته “يسرا” في إحدى مدن الملاهي بـ”اللاذقية”، قال لـ”سناك سوري”: «عمو أبو البطاقات أخد مني 3 بطاقات حقن 300 ليرة لحتى يخليني اركب بالسيارة الكهربائية، وما خلاني طول كتير يادوب طلعت، وهلا ضل معي 700 ليرة رح آكل فيها بوظة وإذا بقي شي بكمل لعب»، يضيف: «الماما خبرتني إنو مافي غير الالف ليرة ولازم تكفيني لأن ما بقا في غيرها وهي ماقبضت راتبها وما معها مصاري».

اقرأ أيضاً: في عيد الأضحى.. حلب بلا كهرباء “رووحي” !

حلب-محمد العمر:

متوسط العيدية اليوم في مدينة حلب يبلغ 750 ليرة، في حين كان المتوسط قبل عام 2011 300 ليرة، أما أسعار قسائم مدينة الملاهي اليوم فهي بحدود 150 ليرة للقسيمة الواحدة بمدينة ملاهي متوسطة، و300 ليرة في مدينة الملاهي الأغلى والتي تحوي ألعاب متنوعة، في حين كانت قبل عام 2011، بين 15 إلى 25 ليرة فقط.

ألمانيا-إلياس كتور:

بالتأكيد فإن “ألمانيا” ليست إحدى المدن السورية، لكنها اليوم تحوي آلاف السوريين الذين يمارسون طقوس عيدهم فيها، وبالنسبة للعيدية فإنها شبه معدومة لكون اللاجئين السوريين هناك يعتمدون على الإعانات بشكل رئيسي وأغلبهم لم يجد عملاً بعد، في حين تقدم بعض العائلات لأطفالها مادون الـ7 سنوات حوالي 5 يورو “حوالي 2500 ليرة سوري”، ولما فوق سن الـ7 سنوات وحتى 13 عاماً حوالي الـ30 يورو، تقريباً بحدود 15 ألف ليرة سورية، بالتأكيد فإن هذا المبلغ ليس كبيراً جداً هناك، على عكس “سوريا”.

اقرأ أيضاً: في العيد.. “سكايب” يجمع العوائل السورية المشتتة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى