الرئيسيةرأي وتحليل

الضمير واللاعنف – ناجي سعيد

ماذا قصد “جودي” و”أسعد” من قول مصطلح “باطنتي تعبانة”؟

سناك سوري-ناجي سعيد

لا يمكن للإنسان أن يتصرّف دون موجّه، فلو سلّمنا جدلاً بأن جهاز التحكّم (ريموت كونترول) يُمَكّن حامِلَه من تسيير أي سيّارة (دُمية)، لكنّ كيف يدرك وُجهة السير التي ترسم مسار السيارة الدُمية؟، لا أعلم إن كان هناك بداخل الإنسان قوّة خفيّة هي التي تحرّك مسار خياراته.

ما الدوافع التي تجبر الإنسان على الاختيار؟ قد يُضحكنا المصطلح الذي يستخدمه “أسعد وجودي” في مسلسل “ضيعة ضايعة”: باطنتي تعبانة!!، والمصطلح الشعبي هذا يدلّ إلى ما هو داخل الإنسان. وقد يفيدنا بعض التأمّل في هذا الكلام بأن هذه “الباطنة” هي الضمير، واستنادًا إلى رأي الفلاسفة، فقد لفتوا النظر إلى أن الضمير لا يُمكن توريثه، ومن منحى علمي، فإنّه مَلّكة موجودة داخل كل إنسان. تنمو من خلال التربية والظروف المعيشيّة.

ولو جرّبنا معرفة ماهيّة “الضمير” من خلال جهاز المشاعر داخلنا، لأفصحنا عن ارتياح تام عند القيام بإنجاز ما، ونعلن فورًا بأن: “ضميري مرتاح”. ونستنتج من هذا طبعًا بأن الضمير هو مُجرّد شعور. فلو عُرّف علميًّا بأنه مَلَكة، فهو مجرّد شعور من منظار فيزيولوجي، ولكي نقترب من الواقع أكثر، فالشعور يتملّك الشخص جرّاء تفاعلات كيميائيّة فيرفع الأدرينالين في حال الشعور بالرضى الذي يُترجم فرحًا إلى الخارج. ويفضي إلى التوتّر خللٌ بالكورتيزول، وهذا يُفصح عنه بشعور الحزن وعدم الرضى.

اقرأ أيضاً: غاندي ومفهوم الآخر والحب – ناجي سعيد

والمعضلة التي تواجهنا هنا، وتحديدًا، تواجه الإنسان اللاعنفي، هل هناك ضمير لاعنفي؟ وآخر عنفي؟ وبالأحرى هل امتلاك الضمير هو حكرٌ على فئة دون أخرى؟ وهل من المعقول أن نجد “قاتل مجرم” يُعذّبه ضميره؟، نعم!!! إذا أقفل الإنسان باب التعلّم واكتساب الخبرات الحياتية، فإنه يقفل باب التغيير والتطوّر الذي بطبيعة الناس “الخيّرة” فهو ذو مسار إيجابي.

ونعود إلى استنتاج الفيلسوف الفرنسي “جان ماري مولر” في كتابه “نزع سلاح الآلهة”: الله محبّة. وفي عودة للمجرم، فإنّ ضميره يعذّبه بالطبع (وهذا أمر طبيعي موجود بتركيبة البشر البيولوجيّة)، لكنّ الفرق البسيط بين البشر هو مستوى التمييز بين الخطأ والصواب. فما أجزم بخطئِه، يراه غيري قمّة الصواب (أكل اللحوم مثلاً، لإنسان نباتي). وهنا نستنتج بأن العلاقة توافقيّة بين زيادة الوعي والمعرفة، ويقظة الضمير. والأخطر من ذلك، حين نغفل عن معرفة الحقوق والواجبات طبعًا. فالمطالبة بالحقوق إذا ما تعرّضت لعدم التلبية، قد تنحرف إلى العنف وهذا مسار عاطفي بشري. فقلّ من يستفيد من إمكانات عقله ليواجه مشاكله.

يرى الناس بأن العنف نتيجته سريعة، ولكنّ بالوقت نفسه: مؤقّت النتائج، وقاتل الضمير الإنساني و و و و.. يُصبح حينها البقاء للأقوى وليس للأصلح إنسانيًّا. قد يختلف عمل الضمير من شخصٍ لآخر، بسبب طبيعته التي أنتجتها البيئة المُحيطة والنشأة. إلاّ أن وجوده (والكلام عن الضمير) لا خلاف فيه. وهو يتأثّر بالتأكيد بحالة الإنسان النفسيّة. والحلّ الوحيد لحالة “المدّ والجزر” النفسيّة التي تؤرجح الضمير الإنساني، هو وضعه في ميزان الحقّ المصنوع من قيم إنسانيّة وأخلاق حميدة، والتي أجمعت عليها الأديان السماوية، لتنهي فلسفة العنف المُتمثّلة بجملة: البقاء للأقوى، ونَخلُص إلى فكرة إنسانية لاعنفيّة هي: البقاء حقّ للجميع، وليكن الحبّ هو ضمير الحياة.

اقرأ أيضاً: عن تولستوي وأثر الثقافة العربية في لا عنفيته _ ناجي سعيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى