الإنسانية العاطفية في حالة التعامل مع الكلاب مثلاً – أيهم محمود
لماذا نخشى على الكلاب من القتل ولا نخشى على الدجاج الذي يُذبح لإطعامها؟
تمتلئ مواقع التواصل الاجتماعي بمنشورات عن الكلاب الضالة والقطط، نجد دعوات كثيرة إلى تبني هذه الحيوانات وعدم قتلها حتى عندما تتكاثر دون ضوابط لتصبح خطراً على البشر أو البيئة المحيطة بنا -حالة الكلاب مثالاً وخاصةً أن مرض السعار منتشر بكثرة في مناطقنا”، الصراع بين المجموعات التي تدعو لقتلها، والمجموعات التي تؤيد تبنيها كبير، وعادة ما يؤدي إلى جدل حاد حول مفهومي الإنسانية والتوحش.
سناك سوري-أيهم محمود
تبرز في هذا الجدل فكرة الإنسانية كأمر مطلق مُتفق عليه، لكننا في هذا المقال سنقسمها إلى إنسانية عاطفية مقابل الإنسانية العقلانية، وسنجد أن الصراع والخلاف بينهما يتجاوز حالة الكلاب، والتي هي مجرد مثال بسيط يبين قدرة البشر على خلق مبررات أخلاقية أمام أنفسهم تبيح لهم دفع قتلٍ لكائن يحبونه عبر قتل عشرات أو مئات ممن لا يهتمون عاطفياً لأمرهم.
يحدث في الطبيعة التي لم تدمرها يد الإنسان توازن دقيق بين أعداد الحيوانات، هذا التوازن الدقيق -والذي ننظر إليه كتوازنٍ وحشي لا إنساني بسبب طبيعته العنيفة- هو سر استمرار الحيوانات والنباتات في الحياة، وسر تطورها، تتكاثر الكلاب الضالة التي تم القضاء على كل مفترساتها الطبيعية في مناطقنا بين البشر دون أي ضوابط لأعدادها، ولكي لا نتوسع في الجدل اللفظي حول مفهوم الإنسانية ومفهوم الرفق بالحيوان، يجب علينا أن نطلب ممن يؤيدون عدم قتل هذه الحيوانات ذَبحَ طعامها بأنفسهم.
اقرأ أيضاً: السياحة إلى جهنم -أيهم محمود
نستطيع بسهولة أن نشتري اللحوم التي تستهلكها حيواناتنا المدللة من متجر اللحوم، إنسانيتنا العاطفية دائما بخير عندما نرى قطتنا الجميلة، أو كلبنا الأجمل، يأكل، ويشبع أيضاً، يأكل حتى تمتلئ معدته بلحم وعظام الضحايا الآخرين وهو ينظر إلينا بتودد وحنان، الجزار يقوم بمهمة القتل عنا، يسمع يومياً صراخ الضحايا وهم لا يعلمون لماذا يُقتلون، على كل إنسانيٍ عاطفي ذبح الحيوانات التي يحتاجها كلبه/ا أو قطته/ا بنفسه/ا، لماذا يجب عدم قتل الكلاب الضالة وفي الآن نفسه يجب قتل عدد هائل من الدجاج والخراف والعجول وغيرها من الحيوانات لإطعامها؟ هل موت حيوان يختلف عن آخر؟ وهل حزن رفاقه على فقده يختلف عن آخر؟.
هل الإنسانية العاطفية موضوعها الكلاب والقطط فقط؟ أم هي منتشرة حتى على المستوى الإنساني والدولي؟
هل يعلم أفراد الدول المسيطرة التي تستعبد غيرها بصيغ الاستعمار الحديث المختلفة من أين يحصلون على رفاهيتهم؟ هل يرون يد الجزار وهو يستخدم طائراته الحربية وقنابله في حال تعرض رفاهيتهم للخطر؟، يستطيعُ الإنسانيُ العاطفي التعاطف مع جوع جاره، أو حتى مع جوع كلبه وقطته، لكنه لا يستطيع رؤية جوع دولٍ بأكملها، جوعٌ يجب أن يبقى قسراً على حاله ليعيش كلبه الأليف بخير وسعادة.
نجد الإنسانية العاطفية أيضاً في الحروب، عبر التعاطف مع دمارنا وقتلانا وجرحانا دون رؤية آلام الآخرين، نجدها في إباحة سرقة ممتلكات الآخرين ثم استنكار وإدانة سرقة ممتلكاتنا، نجدها في ألف لونٍ ولون في حياتنا اليومية، نجدها في إباحة تكاثر البشر على المستوى العالمي وتدمير الطبيعة وتدمير معظم الحياة البرية دون أن تتحرك في صدورنا إنسانية الكلاب القطط لوقف دمار معظم الأنواع الحية بما فيها الإنسان الذي سيأتي دماره بعد حين.
في كاريكاتير شهير، نرى جلاداً في قبو تعذيب، وإلى جانبه نجد الضحية وهي تنزف وتئن بينما يشاهد الجلاد مسلسلاً عاطفياً وهو يذرف الدموع تأثراً!.
ليس الجلاد من يفعل هذا وحده، بل تقريباً هم كل البشر، لذلك نحن أمام مهمة تشكيل إنسانية “عقلانية” ترى المشهد بكليته وليس كمساحات مجزأة عبر ثقبٍ صغير في جدار عمائنا العاطفي الكارثي، عمائنا الذي دمر بيئة الأرض التي لا تستطيع الأجناس الحيوانية بما فيها الجنس البشري الاستمرار في الحياة دون وجود توازناتها الدقيقة.
اقرأ أيضاً: تهنئة قلبية صادقة للدب السوري في عيد ميلاد انقراضه -أيهم محمود