الرئيسيةيوميات مواطن

هيام.. التي أمضت 20% من عمرها تنتظر الكهرباء

هيام انتظرت وعود الوزير بالتحسين وغطت في نوم عميق

قفزت “هيام” من على الكنبة والعرق يزخ منها والحر يملأ منزلها وصرخت “رح تجي الساعة 8″، نظر لها كل من في المنزل مذهولين وبالكاد يرونها على ضوء شمعة. فتابعت تشرح لهم أن الصفحة الرسمية لنقابة العمال نقلت عن وزير الكهرباء أن التيار سيعود إلى طبيعته الساعة “8” فساد الفرح والسرور في المنزل.

سناك سوري-رهان حبيب

منّت هيام النفس بساعات من النور وهي التي فقدت الأمل والثقة بأي وعد حكومي بعد أن سمعت الكثير منها على شاكلة مثل سيتوفر البنزين بعد وصول ناقلات إلى الميناء، ووزارة كذا تعمل على تأمين الغاز المنزلي بشكل منتظم بفارق ستين يوما بين الرسائل. (الغريق يتعلق بتصريح).

نظر لها ولدها بعد دقائق وقال لها هل تذكرين يا أمي أنك قلت لنا العام الماضي أنهم سيوزعون دفعة من المازوت الحر 50 ليتر وقفزنا جميعنا فرحا!؟. فأومأت برأسها “نعم”. فتابع الشاب قائلاً: “معناها بتتذكري إنو الوعد ماتحقق”.

لم تعِر الأم اهتماماً كبيراً بيما يقوله الفتى، فهي تريد أن تحلم، وفي الحقيقة لم تجد مبرراً لهذا الحلم لدرجة أنها فرحت بالتصريح، فحضرت سلة الغسيل الكبيرة التي اجتمعت فيها ملابس الأمس وقبل الأمس وقبله وقبل قبله..إلخ وقالت اليوم سيغسل كل مافي السلة وستحلق الملابس على حبل الغسيل “نظيفة ومهفهفة”.

ولأن الأحلام لا تأتي فرادى.. اتصلت هيام بالحلاب ليجلب لها عشر كيلو حليب لتغليها على سخان الكهرباء وتستمتع بطعم اللبنة المنزلية. وهيأت طنجرة كبيرة وهي تحاكي نفسها عند الثامنة كل المشاكل ستحل هكذا وعد الوزير. دون أن تدرك حجم البلاهة التي جعلتها تسترسل بعد قراءة جملة من سطر واحد.

هيام التي تعودت شراء صهريج الماء كل عشرة أيام بسعر 20 ألف ليرة وصل بها التفاؤل لتحلم أن مياه الشبكة ستصل بعد الثامنة، إلى خزان المنزل الذي لم يفرح منذ أمد طويل بالامتلاء. بينما هي تعبت من الصعود إلى السطح لتعرف كمية المياه الباقية فيه حتى تتجرأ على وضع وجبة غسيل بالغسالة.

استمرت “هيام” تحلم بحقوق أي انسان في هذا العالم الحديث بالماء والكهرباء وغيرها من مقومات الحياة التي بات يحلم فيها المواطن السوري. ويخجل أمام أبنائه من عجزه عن تأمينها.

هذه الأحلام دفعتها لتحضير كل مايمكن لتستثمر وجود الغالية (الكهرباء) وتفرح بقدومها متناسية شحن اللابتوب أو الموبايل أو شحن الكاميرا. فكلها أشياء بسيطة عند الأم المسؤولة عن أبنائها وأقل وطأة من حاجة المياه الساخنة. تلك التي عذبها غيابها طوال الشتاء. وجعلها تستيقظ طوال الفصل البارد قبل الخامسة لترفع قاطع السخان للحصول على بعض الماء الساخن. كما جعلها تخرج إلى العمل دون أن “تسشور شعرها” فالسشوار يعمل على الكهرباء (والبقاء لله).

طال حلم “هيام” وهي تحدث نفسها أيعقل أن نستعيد حقوقنا؟ مياه ساخنة! كهرباء، سيشوار، حمام، غسالة، مونة…إلخ. وتجاوزت الساعة الثامنة دون أن تنتبه فغطت في نوم عميق امتد حتى الصباح.

في الصباح استيقظت عن الخامسة فجراً وشغلت الغسالة لتكسب الساعة الوحيدة التي تأتي فيها الكهرباء، وبدأت يوماً جديداً بلا أحلام فالوعود هنا تتحقق في الأحلام فقط والساعة 8 ربما تكون بعد مئة عام.

تقول هيام وما أكثر أمثالها في هذه البلاد أنها أصبحت مهيئة نفسياً للأسوأ بعد أن وصلت الثانية والخمسين من العمر أمضت 20% منها في الحرب وانتظار الكهرباء، ولا تعرف كم سيطول بها المطال لتحيا دون انتظار لخدمات تعتبر في دول الجوار العاثرة وليست المتقدمة أضعف الإيمان للحياة.

اقرأ أيضاً: الخمسينية هيام تجدد جواز سفرها وتحزم الحقائب

زر الذهاب إلى الأعلى