الرئيسيةحرية التعتيريوميات مواطن

الأشجار تقاوم الموت وحيدة.. الريف لم يعد ملجأ والحر سيقتلعنا

الظل.. حلم المحروقين بشمس آب اللهاب

وأنا في قريتي بريف “السويداء” الغربي، تعود لذاكرتي النسائم اللطيفة في بقعة كانت ملجأ الروح بعد يوم حار في المدينة. كانت الخضرة في كل مكان واليوم اليباس يغزو المنطقة محولاً إياها لبقعة حارة جافة لقلة المياه وانحسار الأمطار.

سناك سوري-رهان حبيب

في ريف السويداء الغربي وعلى ارتفاع يتراوح بين ٧٠٠ إلى ٨٠٠ متر عن سطح البحر لم تصل الأمطار إلى معدلها السنوي مثلها مثل باقي المناطق. ولم ترقّ الخطط التنموية لإيجاد حلول بديلة أقلها توفير مياه تكفي الشرب والسقاية ولو بالحدود الدنيا ليطول فصل الجفاف. بعد أن انحسرت الأمطار منذ نهاية شهر نيسان وما سببه من عطش الأشجار والحقول.

منذ أعوام أصبح لفصل الربيع تفاصيل مختلفة إذ لم يعد دائم التفتح والخضرة. تبعا لكميات الأمطار المتراجعة ليكون جزء منه صيفاً ترتفع به درجات الحرارة لتسحب ماتبقى من رطوبة الأجواء وطيب عبورها. وزاد في جفاف الحدائق المنزلية، والحقول القريبة التي فقدت النضارة وقدرتها على النمو وتعديل الأجواء.

ذكريات كثيرة رافقت بدايات الصيف لكن هذا العام كان المشهد حزيناً. أشجار الزيتون باهتة فقدت رونقها الأخضر حتى أشجار الصنوبر الشاهقة سقطت أوراقها وكثافتها الخضرية لترى ما كانت تحجب خلفها من صور المنازل والأسطح. لعشرات السنوات.

اقرأ أيضاً: السويداء.. مهندس واجه الجفاف وأسس مشروعاً زراعياً متكاملاً

“هذه الأشجار ستموت” جملة مجبولة بالحزن تقولها أمي بلوعة على أشجار كانت محور اهتمام الأهالي كونها حدائق منزلية ترويها الأمطار. وتسقى من فائض مياه الشرب مايسندها ويحفظ ثمارها أشهر الصيف لتفيض خيرا يجنى في شهر تشرين أول وهي أحد المصادر الغذائية للزيت والزيتون التي لا يمكن الاستغناء عنها.

عطش الأشجار تابع لعطش زارعيها فبالكاد يحصل المنزل على صهريج أو اثنين لمياه الشرب. وتركت الأشجار لتلاقي مصيرها الذي يبدو أنه بات محتوماً.

أكثر قسوة

موجة ارتفاع الحرارة التي طالت المنطقة الأيام العشرة الأخيرة من شهر أب أكدت أن صيفنا كان حاراً و أكثر قسوة من المتوقع. فكل ما سبق من قحط وما سببه من ضياع للخضرة في البساتين والحدائق التي نالها الجفاف ساعد في انحسار مساحة الظل التي كانت خيمة حامية للمنازل تقي جدرانها الخارجية من هجوم الشمس الحارقة. وتقي من فيها من ساعات لاهبة تبدأ من السابعة صباحاً جعلتنا نبحث بحزن عن الصباحات الرطبة. ونفتقد جمال الشرفات التي هجرت بحثاً عن الظل داخل المنازل بغياب ظلال الأشجار.

هذا البون الواسع بين صيف العام الماضي، لم يتشكل فجأة إذ تراكمت آثار الجفاف عاماً بعد عام ما قلص الظلال ومن عجز عن حفر بئر سيبقى يعاني العطش حتى إشعار آخر.

بالأمس سجلت درجات الحرارة ٤٠ درجة مع العلم بغياب الكهرباء والماء أي غياب أي فرصة للتبريد ولو حتى بدلق دلو ماء على الشرفة. أو جذع شجرة لتحمل النسائم غبار وأتربة تضعنا أمام احتمالات قادمة أولها ارتفاعات حرارية غير متوقعة. يفرضها غياب الأشجار واقتلاعها الذي يعجل باقتلاعنا من هذه المنطقة كسكان لمنطقة ريفية لاتبعد كثيرا عن الجبل. كانت بأشجارها تسرق منه بعض الأجواء الطرية والنسائم العليلة.

وكانت إلى فترة قريبة جنة خضراء تفيض بالخير وطيب العيش يلجأ لها سكان المدينة أشهر الصيف ليجمعوا مؤونة الشتاء ويعودوا إلى المدينة. محملين زيتاً وزيتوناً وبرغل وسمن ومربيات. اليوم نترحم على الأيام الماضية لأننا نواجه عنف الطبيعة بالاختباء تحت أشجار تقاوم الموت وحدها.

اقرأ أيضاً: مخاوف من العطش في درعا بعد جفاف ينابيع كثيرة أبرزها زيزون

زر الذهاب إلى الأعلى