“سوريا الجديدة: ماذا بعد”، جلسة نقاش مفتوحة نظمها تجمع “مدنية” في دمشق، رفع فيها ناشطو المجتمع المدني أصواتهم بأسئلة وهواجس كثيرة، حول عملية الانتقال السياسي وتحديات واستحقاقات المرحلة الراهنة.
سناك سوري _ هبة الكل
هذه الفعالية هي الثانية من نوعها للمنظمة في دمشق بعد سقوط النظام، الذي وقف دائماً في وجه المجتمع المدني، واليوم تبرز الحاجة الماسة لدور الأخير على الأرض، سواء في تعزيز السلم الأهلي، أو إطلاق حوارات مصغرة، على أمل أن تتعدى حدود دمشق وتصل لباقي المدن السورية الأخرى.
ناقش المتحدثون خلال الجلسة الواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي بهدف رسم دولة المواطنة المنشودة، بحيث تلبي تطلعات السوريين في الكرامة والعدالة والحقوق والحريات.
الالتزام بالتشريعات الاقتصادية الحالية حل مؤقت
الخبير الاقتصادي “أسعد العشي”، تحدث في مداخلته عن الجرائم الاقتصادية والنظام الاقتصادي المافوي في عهد النظام المخلوع والقائم على مبدأ “الحماية مقابل المال”، وخصخصة الطاقة الإنتاجية في سوريا، بطريقة مختلفة عن عهد “الأسد الأب”، حين كان فيه القطاع الخاص شريك السلطة. أما “بشار الأسد” أنتج وجوهاً اقتصادية تخدمه وقال “العشي” إن تلك الوجوه ليست شريكة للسلطة إنما تابعة ومنتج من منتجات السلطة.
“العشي”، دعا إلى الخروج من الحالة الشاعرية للممارسة ضمن القانون السوري، وقال إنه لابد من معرفة دور المجتمع المدني في الرقابة على السلطة، فهو دور أساسي اليوم وخصوصا فيما يخص القطاع الاقتصادي.
ويرى الخبير الاقتصادي أن الاقتصاد السوري يكمن اليوم في الثبات والالتزام بالقوانين الحالية والتشكيلات الاقتصادية التي تتم، حتى ينبثق دستور ومجلس شعب جديدين، داعياً إلى تعميم التشريعات القانونية السورية القائمة حاليا على الشركات الاقتصادية، والبحث في إمكانية معالجتها في الوقت الحالي.
ويرى أن الانتقال من شكل اقتصادي إلى آخر يحتاج إلى حملة تشريعية كاملة تشمل كل القوانين الاقتصادية.
وفي رده على سؤال مدير الجلسة ” كرم نشار” حول ما هي أبرز توصياته ونصائحه في المجال الاقتصادي على صعيد القطاع العام، قال “العشي“: «إنه لابد من إعادة دراسة الجدول القطاعي ومحاولة إنقاذ إنتاجية هذا القطاع، وإعادة الحقوق كون القطاع العام الجزء الأكبر منه مستملك منذ عام 1963»، ورأى أن العبء الأكبر سيكون على القطاع الخاص، في إعادة دورة الإنتاج وبالتالي على الأيدي العاملة.
“العشي” طالب برفع العقوبات القطاعية، وقال إنه لا يمكن حدوث أي نهضة تنموية في سوريا بدون رفع كامل للعقوبات عن القطاعات الكهربائية والطاقة والمالية وغيرها.
لابد من معرفة دور المجتمع المدني في الرقابة على السلطة، فهو دور أساسي اليوم وخصوصا فيما يخص القطاع الاقتصادي أسعد العشي – خبير اقتصادي
المجتمع المدني هو من يفرض على السلطة
أما “أنس الراوي”، المدير التنفيذي لمركز “هوز” للتطوير المجتمعي، تحدث عن دور المجتمع المدني في الشمال السوري. وقال إن الواقع المدني كان يختلف في كل سنة عن السابقة وذكر مقارنة بسيطة أنه في عام 2017، قام بعمل إحصائية على نسبة مشاركة النساء في أنشطة المركز الذي يعمل به وجاءت النسبة 8%، وفي عام 2019 ارتفعت إلى 12% ووصلت في عام 2023 إلى ما نسبته 53% وهذا رقم يوضح أهمية مشاركة النساء.
“الراوي” قال إنهم واجهوا صعوبات بالحصول على الموافقات وتصاريح العمل الخاصة بهم، وهذا ما يأمل أن ينتهي مع سقوط النظام، وقال إن «العلاقة المدنية مع السلطة ليست بإعطائهم الفرصة، ليملوا علينا ماذا نفعل وإنما يجب أن نقول لهم نحن هكذا نريد أن نعمل ونقول لهم ما يعملون».
العلاقة المدنية مع السلطة ليست بإعطائهم الفرصة، ليملوا علينا ماذا نفعل وإنما يجب أن نقول لهم نحن هكذا نريد أن نعمل ونقول لهم ما يعملون أنس الراوي – المدير التنفيذي لمركز “هوز” للتطوير المجتمعي
تحديات العدالة الانتقالية
ملف العدالة الانتقالية كان أحد أهم الملفات التي ناقشتها الجلسة، وقالت المستشارة الحقوقية “جمانة سيف”، إن مذكرات الاعتقال بحق بشار وشقيقه ماهر الأسد، كذلك علي مملوك، محفوظة بالوثائق والأدلة.
وأضافت في مداخلتها، أن العدالة الانتقالية هي مجموعة تدابير، جزء منها يتضمن العدالة الجنائية والمحاسبة، وآخر يتضمن الاعتراف والاعتدال وجبر الضرر المادي والمعنوي وغيرها، والتي تحتاج إلى عمل مؤسساتي.
ترى المستشارة الحقوقية، أننا اليوم بحاجة إلى توافق وطني، إرادة وشعور بالرضا من قبل المتضررين “فهل سنحاسب الجميع!؟”. وأضافت: «ما نريده اليوم إلى جانب العدالة الانتقالية هو الحوار والخطوة المدنية ورد المظالم ..إلخ».
ما نريده اليوم إلى جانب العدالة الانتقالية هو الحوار والخطوة المدنية ورد المظالم جمانة سيف – مستشارة حقوقية
النظام المخلوع خنق الحركة النسوية السورية
النظام المخلوع خنق العمل النسوي على كل الجبهات، تقول عضو الحركة السياسية النسوية، ومديرة منظمة “نيسان”، “سلمى صياد”، وتضيف أن النظام اختصر المجتمع المدني بالأمانة السورية للتنمية، وكلما حاول أحد العمل خارج إطار الأمانة كانوا يتهمونه بأنه معارضة.
وتطرقت إلى قانون الجمعيات، وقالت إنه «كان يمنع المنظمات النسوية، مثلاً، إذا أردت أن تنظم فعالية فيجب أن تذهب إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل التي كانت فعليا فرع مخابرات».
ومع ذلك تقول “سلمى صياد”، إنهنّ حاولنّ الذهاب إلى حلول أخرى مثل المراكز الثقافية، ومع التشديد الكبير كنّ ينسقنّ بحذر شديد، ويعملنّ بأسماء مستعارة، وأضافت: «كان هناك مواضيع محرم تناولها مثل العدالة الانتقالية، والتي كانت مسموحة في بعض المناطق وممنوعة في أخرى».
النظام اختصر المجتمع المدني بالأمانة السورية للتنمية، وكلما حاول أحد العمل خارج إطار الأمانة كانوا يتهمونه بأنه معارضة سلمى صياد – عضو الحركة السياسية النسوية، ومديرة منظمة “نيسان”
العمل في الوقت المناسب كان تحدياً كبيراً، لكنه أسس لخبرات جيدة وقوية، واليوم لابد من التشبيك بين المنظمات المدنية في سوريا.
يذكر أن منظمة “مدنية” عادت إلى دمشق بعد سقوط النظام، وأطلقت حراكاً مدنياً وسياسياً في مقرها بالعاصمة السورية، ويترأس مجلس إدارتها رجل الأعمال والناشط المدني “أيمن أصفري“، الذي سبق وقال لـ”سناك سوري”، إنه لا يمتلك أي طموح سياسي ولا يفكر بالترشح للانتخابات الرئاسية السورية حين تجري.