الرئيسيةفن

فن السدو.. حرفة تراثية يهددها التمدن بالإنقراض

“السدو” حرفة وفن الجدات في الجزيرة السورية.. ماذا تعرف عنها؟

سناك سوري – عبد العظيم العبد الله

“السدو”.. حرفة عملت بها المرأة في المجتمعات البدوية والريفية، بغية تأمين احتياجاتها ومتطلبات حياتها اليوميّة من أثاث المنزل البدوي بأسلوب فني متناغم مع البيئة المحيطة التي تستمد منها موادها الأولية.

الحرفة التي تعتبر من الفنون التراثية اليدوية، تعتمد على صوف الماشية وأوبار الإبل وشعر الماعز، ويوضح الباحث في التراث الشعبي “أحمد الحسين” في حديثه مع سناك سوري تفاصيل العمل بها : « في مرحلته الأولى تقوم المرأة بغزل الصوف فتحوله الى خيوط، ومن ثم تصبغه حسب الحاجة بالاعتماد على الأصباغ النباتية الموجودة في البيئة، أو تكتفي بألوانه الطبيعية، فنجد اللون الأسود في صوف بعض الماشية ونجد اللون البني في وبر الإبل».
ويرجع أصل الكلمة “السدو” حسب الباحث «من أسدى الثوب أي مدّه أو من سدى الخيط أي مده ويقال السدى واللحمة.. والسدى هي الخيوط الطولانية، واللحمة الخيوط عندما تنسج بشكل عرضي».

صُمم لهذه الحرفة أدوات بسيطة تستخدم في النسج والحياكة عادة تربط بداية السدو على قطعة عود خشبي تثبت على الأرض في نهايته وفي مقدمته، وهناك حامل في الوسط يرفع السدو عن الأرض لتتحكم به المرأة، تقوم المرأة بمد السدو على شكل خيوط بحسب عرض المادة التي تريد أن تنسجها، قد تكون بحدود 40 أو 50 سم وهكذا، تستعين المرأة كما قال الباحث “أحمد الحسين”: بالمنساج ( قطعة من الخشب تستخدم لغرضين أولاً رفع الخيوط لتتمكن من تمرير اللحمة، ولدك الخيوط وزيادة تماسكها وإحكامها).

اقرأ أيضاً: “الدف والزرنة”.. تراث الجزيرة السورية المعلق على الجدران

خدم السدو الحياة البدوية في تصميم المنازل، حيث كان يتم صنع “الجاجيم” قديما باستخدامه، والجاجيم هو قطعة منسوجة ملونة بألوان مزخرفة وجميلة عادة يتخذ كغطاء عازل في بيوت الشعر لفصل مكان الرجال عن النساء، كما صنعت البدويات بالسدو، “الشف” وهو بساط يغطى به متاع البيت، بالإضافة إلى “الأطوال” و”المحازم” و”الشيويحي” و”رواق” أغطية بيت الشعر.

ومن الأشياء التي صنعها المرأة البدوية أيضاً باستخدام هذه الحرفة الفنية “العدل” أو “الفردة” وهو وعاء على شكل كيس قمح بأشكال مختلفة وملونة، وهناك “المعانق” للفرس، وصنعت “الخُرج” أيضاً، (قطعة من الأثاث لحمل الأغراض مفتوح من الجانبين على شكل صندوق مطوي على ظهر الخيل وتنقل عليه الأغراض).

استخدمت المرأة الألوان في فن السدو والألوان الغالبة في منسوجات السدو الأحمر وأطيافه، المناسب لطبيعة الصحراء، بالإضافة إلى اللون النيلي أو الأزرق الذي يعبر بشكل أساسي عن طبيعة الصحراء في فصل الشتاء (برودة وعتمة و..)، وما نجده من زخارف دليل على أن المرأة كانت فنانة مبدعة تزين حاجاتها المادية باللون والرسم والحركة، وحرصت على استخدام المثلثات بزواياه المختلفة، والمربع والمستطيل والمعين، وتقسم باستخدام الألوان المستطيل إلى مربعات ومثلثات، وتمزج الخطوط الطولية والعرضية لتجعل منها أغصانا نباتية، فجسدت الهندسة النباتية والرسم الهندسي بالصوف والوبر.

يقول “الحسين”:« إن حرفة السدو فن يدوي تراثي برعت به المرأة البدوية، وهو من المهن اليدوية الشعبية، وبحكم التغيرات الشعبية والاقتصادية والانتقال من طور البداوة والريف إلى المدن ووفاة ذلك الجيل من الأمهات اللواتي كن يبدعن في هذا الفن أصبح مهدداً بالانقراض ومصيره الضياع والنسيان والاندثار ».  لذا حاولت جمعية صفصاف الخابور الثقافية بالتعاون مع مديرية ثقافة “الحسكة” إحياء فن السدو التراثي بمعرض فني ضم عديد من نماذج ذلك الفن “توضحها الصور المرافقة للمادة”.

وأضاف: من هنا تكمن أهمية استعادة هذا الموروث من خلال مبادرات تعرف به ومعارض تقدمه للجمهور بغية إقامة نوع من التواصل بين الأجيال والتعريف بهذا الفن ودعوة المؤسسات للاهتمام به ومحاولة استعادته وإقامة دورات للتدريب للحفاظ عليه، وهي مسؤولية جماعيّة وواجب.

اقرأ أيضاً: “رمثا شمعون” تحافظ على التراث السرياني في سوريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى