الرئيسيةرأي وتحليل

نعيش أزمة رهائن – أيهم محمود

نحن رهائن تاريخ الغساسنة والمناذرة، وتاريخ الجهل القديم والحديث

نحن رهائنٌ إلى فَرَجٍ لا يبدو قريباً، رهائنُ الصراعات العالمية، رهائن نظريات التمدد والتقلص الأمريكي، رهائن الأحلام المجنونة لعودة إحياء امبرطوريات لم يعد لها متسع في زحام العالم الحديث.

سناك سوري-أيهم محمود

نحن رهائن تاريخ الغساسنة والمناذرة، وتاريخ الجهل القديم والحديث، رهائنُ هويةٍ لم تكتمل بفعل استمرار تدفق النظريات من كل حدبٍ وصوبٍ مع أهلها وقبائلها وعشائرها وبشرها. رهائنُ الانتظار بدل العمل، رهائن امرؤ القيس الباحث عن حليفٍ استراتيجي يساعده على أخذ ثأره، رهائن موته وقد ضيّع فرصتين، فرصة حياةٍ بعيداً عن فكرة الثأر، وفرصة عملٍ مستمرٍ بدافع الثأر يستطيع بها تشكيل هويةٍ كما فعل الحلاج في يومٍ ما. فكان موته أعظم انتصاراً ممن أعدمه على لحمه الهش، أما روحه وكلامه فما زالت ترفرف في صدورنا حتى هذا الزمن.

نحن رهائن تاجرٍ يأمل كلما زاد أسعار بضائعه زاد تسولنا من أموال أقربائنا في الخارج، فزادت أرباحه، وزاد فقرنا وتسولنا. رهائن أجنبيٍ رأى في يد الفقير ساعةً ذهبية ورثها عن جده فاستولى عليها بحجة أن هناك تناقضٌ معيبٌ بين ملابسه الرثة وساعته. رهائن أسلحةٍ لا تصيب إلا صدورنا حتى لو أطلقناها باتجاه السماء، رهائن وهم استطاعة أي إنسان أن يحمي رزقه وأرضه بأسلحة الطامعين به وبها.

رهائن انتظار تدفق المساعدات، رهائن اعتراف الدول بخطئها في الزمن الثمين الذي كنا بحاجةٍ فيه إلى العمل المستقل من أجل بلدنا وأهلنا. رهائن نظريات المحاور والأحلاف الدولية وأقرب جارٍ إلى بيتنا نخاصمه ولا نرضى مصالحةً معه، من لا يعلم كيف يمد جسراً إلى بيت جاره يريد مد جسرٍ عابرٍ للقارات. والأولى أسهل وأصغر ولم نقدر عليها، فكيف نأمل بإنجاز ذاك البعيد عنا.

اقرأ أيضاً: الفساد ومماليك العصر الحديث – أيهم محمود

نحن رهائن جهلنا بطبيعة بلدنا، لا نعرف التمييز في قرانا بين الأفاعي السامة والأفاعي غير السامة المفيدة لنا، لذلك نقتل جميعها ثم نتباهى بجهلنا. لا نعرف حشراتنا ولا طيورنا، لا ندرس هذه العلوم في مدراسنا، نقتل كل ما نجهله ونخافه حتى لو كان داعماً لحياتنا، في السياسة، وفي المجتمع، وفي الثقافة، وفي كل مناحي الحياة. نقتلُ على الشُبهة، على الحكايات المتوارثة المنقولة من جاهلٍ إلى آخر، كما نقتل الأفعى التي تحمي حياتنا في قرانا.

نقتل كذلك معارضينا، أو ننفيهم على الأقل من حياتنا ووعينا، نُكفّر مناطق بأكملها، نُكفّر أفكاراً ومذاهب لا نعرفها إلا من خلال المرويات. من تكلم عن المناطق وأهلها وعاداتهم هو نفسه من صاغ معاركه البطولية مع الضبع السوري الخطير، وأهل العلم فقط يعرفون أنه قمّامٌ (يأكل الجيفة الميتة) لا يهاجم الإنسان. كما يقتلون أفعى عقد الجوز في القرى باعتبارها بيضاء سامة، كذلك فعلوا في الحرب السورية حيث شارك الجميع في قتل أفاعي عقد الجوز لكنها كانت للأسف من البشر. مات الكثير نتيجة المرويات الجاهلة، والأهم أننا لم نتعظ، مازلنا مصرين أن كتاباً عن البيئة في مناهجنا المدرسية غير مفيد للثقافة العامة والعملية التعليمية، في الآن نفسه الذي ندرس فيه كتب أوهام البشر على أنها كلامٌ مفيد.

عشر سنوات، ننتظر الفرج، ولو لم نتوجه لا شرقاً ولا غرباً بل توجهنا إلى أرضنا نزرعها، وإلى ورشاتنا نصنع فيها ما نستطيع من حاجاتنا بدل الاستيراد وانتظار المال من الآخرين لوصلنا إلى سلامٍ ما. عشر سنواتٍ وبيت جيراننا يبتعد عنا حتى لم نعد نراه، نحن رهائن الجفاء، رهائن قسوة نفوسنا، رهائن التكبر والغرور، رهائن عجزنا عن تصور وجود هوية مصالح متقاطعة. لا نستطيع إصلاح التاريخ، ولا تنقية عشرات ومئات الحضارات التي امتزجت على أرضنا، بدل أن تكون غنى لنا، حولناها إلى فقرٍ وقهرٍ وخيبات. هي هويةٌ مكتملة لو أردنا ورغبنا، هوية الطبيعة في جمالها وتنوعها، لكننا رهائن اللون الواحد، والفكر الواحد، والاعتقاد الواحد بأننا الكل والجوهر والأساس، وأما الآخرين فلا مكان لهم في هذه الحياة.

والنتيجة كما ترون.. لا توجد كلمات في كل كتب العالم أبلغ من حالنا في وصف نجاح الجميع وانتصار الجميع، لا يوجد على الإطلاق فاشلين بيننا.

اقرأ أيضاً: سوريا الحالمة لا تميز بين غنيٍ وفقير – أيهم محمود

زر الذهاب إلى الأعلى