الرئيسيةتقاريرمختارات

مخلفات الحرب … خطر يهدد سكان درعا قد يمتد لسنوات طويلة

بالأرقام .. مئات المصابين بالألغام منذ اتفاق المصالحة والأطفال أبرز الضحايا

أصيب “صلاح المسالمة” بانفجار لغم أرضي من مخلفات الحرب بجراره الزراعي في “درعا” ما أدى إلى بتر ساقه ليضاف إلى قائمة المواطنين الذين دفعوا ثمن انتشار العبوات الناسفة والألغام في أنحاء المحافظة.

سناك سوري _ هيثم علي

داخل منزل للمهجرين في أحد أحياء مدينة “درعا” يقوم الطفل “علي قدور” صباح كل يوم بتغيير الضماد على جراح ساقيه، والتي نتجت عن انفجار لغم من مخلفات الحرب في أثناء لعبه، قبل أن يتوجه كالمعتاد، برفقة أبيه، إلى مدرسته مستقلاً دراجته الهوائية، بينما يحاول التأقلم مع إصابته والاعتماد على نفسه لتأمين حاجياته ولوازم دراسته.

“حمزة المسالمة” مواطن آخر أصيب بلغم أرضي في أثناء تفقده لمنزله، الذي هجره لسنوات، إصابة تحولت إلى عائق أمام ممارسة حياته الطبيعية، لكن إرادته والقدرات التي يملكها وضعت حداً لهذه الإعاقة لتصنع منه إنساناً مجتهداً محباً للعمل، يعمل بمحله الصغير، ليكسب لقمة عيشه.
أما الطفل غازي النصيرات من مدينة “إبطع” بريف درعا، فقد انفجر لغم به في أثناء عمله مع أسرته في زراعة محصول البطاطا، ومد شبكات الري في أرضهم الزراعية.

بعض مخلفات الحرب من ألغام وعبوات ناسفة

يقول “النصيرات” لـ سناك سوري «لم أشعر لحظة الانفجار بما جرى لي من الصدمة، كنا نمد شبكة الري وفجأة سمعنا صوت الانفجار القوي وكل ما أعرفه أنني استيقظت في المشفى».

في هذه الحادثة خسر الطفل عمه وصديقه الذي نشأ معه وعلم برحيله بعد وصوله إلى المشفى، بينما بقيت الندوب ظاهرة على جسده نتيجة العمل الجراحي ومكان الشظايا التي تعرض لها.

الطفل “يمان البشير 13 عاماً” والطفلة “تقى البشير 10 أعوام” كانا بين ضحايا انفجار لغم في “الشيخ مسكين” العام الماضي أدى كذلك لإصابة 10 آخرين بجروح، بينما أصيب الطفل “عمر عيسى العتمة” إلى جانب والدته “آمنة العتمة” بانفجار آخر في “الصنمين” في آذار العام الماضي.

أمثلة قليلة من مئات المدنيين الذين أصيبوا بانفجارات مخلفات الحرب، بينما تقول مصادر عسكرية لـ سناك سوري أنه لا توجد مخططات للألغام التي تمت زراعتها في المناطق التي خرجت عن سيطرة الدولة، ما يجعل من نزعها أمراً صعباً قد يتطلب سنوات طويلة.

ألغام

وتضيف المصادر أن «وحدات الهندسة تقوم بشكل يومي بتفجير كميات كبيرة من الذخائر والعبوات الناسفة والألغام المكتشفة من قبل الوحدات العسكرية في المناطق، التي أعيدت السيطرة عليها، كما أن الألغام المضادة للأفراد من نوع MA لا تزال مزروعة في العديد من المناطق كونها ألغام حساسة. كالأماكن المنتشرة ما بين منطقة المفطرة وبلدة اليادودة، وما بين تل الزعتر وقرية خراب الشحم، ورجم المشور وتل الخضر. والمعلومات تشير إلى وجود ما يقرب من 3 آلاف لغم منتشرة بين تل الزعتر وتل الخضر ورجم المشور باتجاه بلدات صيدا والغارية ووادي اليرموك، ويوجد في مناطق تواجد هذه الألغام دلالات وعلامات بمكانها، وقامت وحدات الجيش بمسح أهم المناطق التي تنتشر فيها الألغام بمنطقة حوض اليرموك»

قائد وحدة الهندسة في “درعا” والمشرف على عمليات المسح قال إن الوحدة التي يشرف عليها قامت بتنظيف ومسح عدد من البلدات منها داعل وتل الخضر، مزارع طفس، درعا البلد، رجم المشور، كما تم أيضاً مسح العديد من المناطق في بلدات صيدا، الغارية الشرقية والغربية، بلدة النعيمة، اليادودة، وتل الزعتر، وذلك منذ سيطرة الجيش على ريف المحافظة عام ٢٠١٨، مبيناً أن مشكلة الألغام تتمثل بأنها لا تزول بنهاية الصراع، مثل تهديدات القصف أو الانفلات الأمني أو الرصاص المتطاير من المعارك، مشيراً إلى أن بعض نوعيات الألغام والعبوات المصنعة محلياً تبقى خطرة حتى بعد عشرات السنين من زرعها.

اقرأ أيضاً:13 مواطناً ضحايا مخلفات الألغام في درعا خلال خمسة أشهر

عشرات الضحايا المدنيين

“رهام برماوي” منسقة مشروع التوعية بمخاطر الألغام في منظمة الهلال الأحمر السوري تشير إلى أن الإجراءات المتعلقة بإزالة الألغام تمثل ضرورة إنسانية هادفة إلى تمكين التدخلات الإنسانية وجهود الإنعاش الآمنة في الوقت المناسب. إضافة إلى ضمان حماية المدنيين وتوفير الدعم طويل الأجل للأشخاص ذوي الإعاقة بمن فيهم الناجين من الحوادث الناجمة عن المخلفات المتفجرة.

وأضافت “برماوي” «استهدفنا من خلال المشروع العديد من المناطق في المحافظة منها المنطقة الغربية، وحوض اليرموك كونها كانت منطقة نزاع وتوالى السيطرة عليها عدد من الفصائل المسلحة منها تنظيم “داعش”، ويتواجد فيها كميات كبيرة من مخلفات الحرب والألغام، واتجهنا كذلك للمنطقة الشرقية، حيث تم استهداف بلدات الطيبة، أم المياذن، كحيل، صيدا، اللجاة، مدينة ازرع، ثم انتقلنا للريف الشمالي في مدينة الصنمين، وبلدات كفر شمس، ودير العدس».

وعن إجراءات وخطوات العمل توضح “برماوي” «في بداية عملنا نقوم بإجراء تقييم احتياجات للمنطقة التي تحتوي على مخلفات الحرب من ألغام وأجسام متفجرة، ثم يتم اختبار المناطق حسب الأولوية، ولندخل بعدها في إجراء جلسات توعية للمجتمع المحلي للفئات الأشد تضرراً من مخلفات الحرب، ومعظم هذه الفئات تشمل الأطفال والمزارعين والكادر التدريسي والمجتمع المحلي، حيث يجري التنسيق مع المفاتيح المجتمعية بالمناطق للمساعدة بعملية التوعية لأنهم محل ثقة في المجتمع المحلي، من المسؤولين المحليين بالبلدية إلى المختار والأطباء والمهندسين فوجهاء البلدة، وأهم أعمالنا تنفيذ معرض يتضمن صور لمخلفات الحرب، طبعا صور حقيقية من المحافظة، وبعد انتهاء المعرض نقيم مؤتمراً صحفياً يتم فيه عرض إحصائيات تعرض عملنا في هذا الجانب. وكل هذا يجري بالتنسيق مع بقية الأقسام في منظمة الهلال الأحمر لمساعدة الأشخاص المصابين وتقديم المساعدة لهم، وإن كانت مساعدة بسيطة».

*بالأرقام

وحسب تقديرات منظمة الهلال الأحمر، فإن هناك زيادة بشكل كبير في عدد الإصابات والضحايا المدنيين منذ بداية عام ٢٠٢٠ ولغاية العام ٢٠٢١، وتعد بلدات “داعل” و “إبطع” و “نصيب” وأحياء “درعا البلد” أكثر المناطق التي شهدت سقوط ضحايا مدنيين ومصابين بسبب الانفجارات.

ألغام في درعا

وبحسب إحصائيات “الهلال الأحمر” فمنذ أن أثمرت جهود المصالحة الوطنية في المحافظة عام 2018 ولغاية تاريخه وقعت حوالي 323 حادثة أسفرت عن إصابة 498 شخصاً بينهم نحو 158 طفلاً وتوفي 174 شخصاً جراء الألغام، أما بيانات المشفى الوطني في درعا فتشير إلى أن عدد المقبولين من المدنيين بسبب انفجار الألغام خلال السنوات الأربع الأخيرة بلغ حوالي 269 مواطناً، منهم 106 أطفال، فيما حذّرت “برماوي” من خطورة العبث بمخلفات الحرب لا سيما من قبل الأطفال بسبب غياب وسائل التوعية.

اقرأ أيضاً: مخلفات المعارك تثير مخاوف فلاحين بالسويداء بعد انفجار أحدها

رئيسة بلدية “الطيبة” “ماريا الزعبي” تحدثت عن تجربة نزع الألغام في البلدة وقالت «نحن بلد يعتمد سكانه على الزراعة و تربية المواشي، وهو ما يجعلهم على تماس مباشر مع الألغام المزروعة في الحقول والمناطق الزراعية، حيث تكثر الألغام الأرضية ومخلفات الذخائر غير المنفجرة في مساحات واسعة من محافظة درعا، بينما لا توجد أي لافتات تحذيرية أو خرائط لتوزعها، ونتمنى تعزيز الجهود لنزعها أو التوعية بمخاطرها، وهو ما تسبب مراراً بسقوط ضحايا من أبناء المحافظة وخصوصاً بين صفوف الأطفال».

من جانبه المحامي” يوسف المنجر” قال أن حوادث انفجار مخلفات الحرب تقع بشكل شبه يومي في مناطق محافظة درعا وتسفر عن وفيات وإصابات بين المدنيين، ويشكل الأطفال أكثر من 25٪ من هؤلاء الضحايا، وقد وقعت معظم الحوادث التي طالت الأطفال أثناء قيامهم باللعب، ويندرج المزارعون، ورعاة الماشية، وجامعو الخردة، وعمال الإنشاءات، والأطفال الذاهبون إلى مدارسهم، ضمن الفئات الأكثر عرضة للخطر.

وأضاف “المنجر” «نحن بحاجة مستمرة لتعاون المجتمع المحلي والمنظمات العاملة في المحافظة والجهات المعنية والمجتمع الدولي بغية دعم الجهود الرامية إلى الحد من المخاطر الفتاكة للألغام الأرضية ومخلفات الحرب القابلة للانفجار والقضاء عليها، حيث أن أثر هذه الأسلحة سيستمر في إعاقة استئناف الحياة الطبيعية طويلاً بعد انتهاء هذه الأزمة، ليحل السلام والأمن والأمان، ويعيش أطفالنا بأمان، ونطالب اليوم بزيادة أنشطة التوعية بالمخاطر والسلوك الأكثر أماناً»

وتابع المحامي «يلزمنا أيضاً اتباع نهج شامل يتضمن إزالة الألغام لأغراض إنسانية، حيث يتطلب العمل على إعداد خرائط تتضمن إحداثيات المواقع، التي وقعت فيها انفجارات الألغام في مختلف مناطق المحافظة مما يسهل عمل فرق إزالة الألغام، ويشكل نوعاً من التوعية للسكان والجهات المختصة والمنظمات باتخاذ جميع الاحتياطات والإمكانات لتفادي وقوع حوادث جديدة. ويجب احترام قواعد القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والتوقف عن زراعة الألغام التي تستهدف المدنيين، والبدء في عمليات إزالة وتنظيف الألغام في جميع مناطق المحافظة، وتقديم خرائط تفصيلية بالمواقع التي زرعت الألغام فيها، وبشكل خاص المواقع المدنية أو القريبة من التجمعات السكنية. كما ونطالب المجتمع الدولي بزيادة المساعدات اللوجستية للمنظمات المحلية والشرطة ووحدات الهندسة العاملة في مجال الكشف عن الألغام وتفكيكها. وتخصيص مبالغ مالية لإزالة الألغام التي خلفها النزاع السوري من صندوق الأمم المتحدة المخصص للمساعدة في إزالة الألغام، والبدء في تعويض الضحايا وذويهم، والتركيز على عملية العلاج النفسي للناجين، ودعم المنظمات الإنسانية العاملة في مجال الرعاية النفسية».

اقرأ أيضاً:بيومها العالمي.. الألغام أحد الأخطار التي تواجه السوريين

الشيخ “بسام المسالمة”، مفتي درعا السابق وأحد رجال الدين الذين ساهموا بتسليط الضوء على مخلفات الحرب، يؤكد أن مخلفات الحرب تشكل مشكلة كبيرة لما تسببه من ضحايا بين المدنيين في جميع مناطق “حوران”، والنسبة الأكبر بين الضحايا هم من الأطفال الذين باتوا يعانون أيضاً من أزمات نفسية في ظل افتقادهم لأبسط مقومات الرعاية الصحية في بعض مناطق المحافظة، وهناك عدة أنواع وأشكال للألغام التي تم اكتشافها، الغالبية منها ألغام وعبوات ناسفة محلية الصنع وجميعها ألغام حديثة، وبتقنيات متطورة وأكثر خطورة وبأشكال متنوعة على هيئة أحجار وغيرها، والعدد الأكبر منها لايزال مزروعاً بالأرض وحقول المواطنين وفق حديثه.

وأضاف “المسالمة” «يقع على عاتق رجال الدين مسؤولية كبيرة تتمثل في توعية الأهالي من خلال منابر المساجد وتكاتف المجتمع المحلي لنشر التوعية بمختلف أشكاله، وذلك بالتعاون مع عدد من المنظمات والجمعيات المعنية بمعالجة مخلفات الحرب، وإن التوعية لها ثمار متعددة، فالكثير من الأطفال والمواطنين لم يكونوا على علم بمعنى الإشارات التي يتم وضعها للدلالة على وجود ألغام، كما لا يعرفون أشكالها المتعددة، والبعض منهم يعتقد أنه سيربح من ورائها المال عند بيعها لدى تجار شراء المعادن، لكنه في الواقع يكون الموت في انتظارهم».

خطر بعيد المدى

ورأى الشيخ “محمد محمود الحريري”، وهو أحد وجهاء منطقة حوران، أن الجهود التي تبذل من قبل المجتمع المحلي والمنظمات المهتمة بعملية التوعية لا تلبي الطموح والاحتياجات الإنسانية بالنظر إلى أن الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة وطريقة عملها وقدرتها التدميرية من الأمور المجهولة إلى حد كبير لدى أبناء المنطقة، ولذلك فهي تمثل خطراً مباشراً على المدنيين، وخصوصاً الأطفال.

وأضاف “الحريري” «سعينا كوجهاء في بعض المناطق لنشر وتفعيل برامج التوعية من مخاطر الألغام ومخلفات الحرب في المدارس والأسواق العامة والتجمعات السكانية والجوامع، وخصوصاً المناطق التي شهدت تسجيل سقوط عدد من الضحايا، وتشمل عمليات التوعية نشر ملصقات تعريفية تحدد خطوات السلامة عند العثور على أجسام غريبة، ونخوض كمجتمع محلي مع الجهات والجمعيات المتخصصة معركة توعوية من هذا الخطر للتعامل مع الألغام و للحد من سقوط ضحايا جدد، إذ تجري عمليات توعية المدنيين لاسيما الأطفال منهم، وكان آخر تلك الحوادث قبل عدة أيام وفاة طفل وإصابة آخر بحي الضاحية بمدينة “درعا” بعد جلبه جسماً غريباً من وادي اليرموك، ومحاولة إزالة ما بداخله لبيعه»

اقرأ أيضاً:سوريا: الألغام تحصد المزيد من الضحايا الأطفال

زر الذهاب إلى الأعلى