الرئيسيةرأي وتحليل

لماذا لا يستثمر رجال الأعمال السوريون في الشركات الناشئة؟

في مجال ريادة الأعمال: الدولة تتنحى جانباً.. والجهود الأهلية مبعثرة ومشتتة

سناك سوري – علي معروف

يتميّز مفهومُ ريادة الأعمال بوجود العديد من المقاربات لتعريفه، فمنها ما هو محافظ لضرورة تمتّع هذا النّشاط بمحتوى ابتكاري ومنها ما هو أكثر مرونة لجهة اعتبار الأنشطة التجارية المختلفة ريادةً للأعمال، إلّا أنَّ هذه الأنشطة شكّلت بالفعل محركاً للوصول إلى ابتكاراتٍ جديدة ومؤثرة في العديد من الدول.

تتميز الشّركات الناشئة بتقديم منتجاتها من سلع وخدمات تحت ظروف مخاطرة عالية ما يتطلب حصولها على الدعم الكبير والتمويل لاسيما في مراحلها المبكرة، و يشكل رأس المال الجريء (Venture capital) أحد أهم وسائل التمويل لهذه الشركات إلى جانب وسائل التمويل التقليدية الأخرى.

ريادة الأعمال في المنطقة العربية وفي “سوريا”

تضمنَّ تقرير صادر عام 2019 حول بيئة ريادة الأعمال في المنطقة العربية إحصاءات لانتشار ريادة الأعمال والشركات الناشئة في الدول العربية المختلفة، قدّر عدد الشركات الناشئة في الدول العربية بحوالي 10 آلاف شركة وبلغ حجم تمويلها أكثر من 2 مليار دولار، يتركز حوالي ثلث هذه الشركات (35%) في “الإمارات” وتليها “مصر” التي تحتوي (19%) من هذه الشركات، كما بلغ حجم الصفقات الاستثمارية في عام 2018 حوالي 900 مليون دولار.

تعمل معظم الشركات الناشئة العربية في مجال تقانات التمويل (12%) والتجارة الإلكترونية (11%) والنقل والتوصيل (8%) وتقانات المعلومات (8%)، في ظل غياب الإحصاءات المحلية يشير التقرير إلى أن عدد الشركات الناشئة في سورية بلغ (1%) من العدد الكلي لهذه الشركات في المنطقة العربية وللمقارنة يبلغ عدد هذه الشركات في لبنان حوالي (7%) من العدد الكلي في المنطقة، وفي ظل الظروف الاقتصادية السيئة وغياب آليات الدعم والتمويل لنمو هذه الشركات في “سوريا” يتجه عدد كبير من الشركات السورية لنقل عملها من “سوريا” إلى دول أخرى لاسيما “الإمارات” التي تتميز بانفتاح سوقها ووجود البيئة الداعمة لنمو هذه الشركات.

جهود متفرقة

تأسّس في “سوريا” عدد قليل جداً مما يدعى بمؤسسات البنية التحتية الابتكارية (حواضن الأعمال والمسرعات)، نذكر من هذه المؤسسات ثلاث حواضن أعمال للجمعية العلمية السورية للمعلوماتية في “دمشق” و”اللاذقية” و”حمص” وحاضنة في غرفة تجارة “دمشق” ومسرعة خاصة للأعمال وحيدة في “دمشق”، كما أطلقت عدة جهات ومنظمات دولية مسابقات لريادة الأعمال بهدف نشر هذه الثقافة بين الشباب ودعم مشاريعهم كان أكبرها مسابقة “قفزة” التي جرى إطلاقها بالتعاون بين مكتب الأمم المتحدة الإنمائي ووزارة التعليم العالي في الجامعات الحكومية السورية، ومع ذلك يغيب عن “سوريا” وجود أي جهة حكومية معنيّة في خططها بموضوع ريادة الأعمال باستثناء مؤسسة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة والتي يغلب على أنشطتها الطابع التدريبي والتأهيلي لأصحاب المهن وليس لرواد الأعمال، كما تغيب عن الحكومة السورية ووزاراتها أية استراتيجية لتطوير بيئة محفزة للمشاريع الريادية لا سيما في ظل ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب الجامعيين.

اقرأ أيضاً: وزيرة الشؤون: خطتنا مساعدة الشباب للدخول إلى سوق العمل (الأمل بالتنفيذ)

أدى تنحي الدولة جانباً وعدم لعبها لدور واضح في هذا المجال إلى جعل كل هذه الجهود الأهلية مشتتة ومتفرقة وتفتقد لأي دعم لأنشطتها مما منع لمس أثر واضح للأنشطة التي تقوم بها، وينتج عن التواصل مع الجهات المعنية أو مع الشباب القائمين على المشاريع، الوصول إلى قناعة بوجود فهم منقوص لريادة الأعمال ناتج عن ظروف موضوعية يتلخص بإلقاء الجهات الحكومية باللوم على المستثمر السوري -الغير مستعد لدعم الشباب- كما يتم الخلط بين دعم ريادة الأعمال الابتكارية التي تتميز بمنتجات جديدة متطورة تتميز بمخاطر عالية وتحتاج لدعم كبير وبين المشاريع التجارية كافتتاح مطعم أو متجر وما شابه. كذلك، يفتقد رواد الأعمال الشباب للمهارات الإدارية والمعارف الاقتصادية والاطلاع على الأسواق المجاورة والعالمية في مجال مشاريعهم، فباتت أغلب المشاريع متشابهة متوجهة إلى تأسيس مواقع إلكترونية جديدة أو معالجة بعض آثار الأزمة (مثلاً: أطراف صناعية).

أدّى غياب المؤسسات والآليات الداعمة للشركات الناشئة في مراحل تأسيسها ونموها المبكرة إلى عدم وصول هذه الشركات إلى مستوى النمو الذي يقنع رجال الأعمال بجدوى الاستثمار فيها، إذ نادراً ما تُقنع الفكرة المجرّدة رجل الأعمال بتمويلها لعدم وجود ما يضمن تحقيق العائد على هذا الاستثمار.

حلول بانتظار من يبادر بها

إن دعم ريادة الأعمال يبدأ من اقتناع الجهات الحكومية بوجود دور يجب أن تلعبه يساهم في خلق بيئة محفزة لأصحاب المشاريع الريادية، كما يشكل دعم المشاريع في مراحل نموها الأولى لجعلها أكثر جذباً لرجال الأعمال بوصلة لهذا الدور، و لتحقيق ذلك لابد من إيجاد جهة مسؤولة عن تأسيس حواضن ومسرعات ابتكارية في الجامعات العامة والخاصة، إضافةً إلى تقديم حزمة من الإجراءات التحفيزية لهذه الشركات لجهة تكاليف التسجيل وتكاليف حماية الملكية الفكرية الناشئة عن عملها وإعفاءات الضريبية، كذلك لابد بالتوازي مع ذلك من تحفيز رجال الأعمال على الاستثمار في هذه الشركات عبر صياغة التشريعات التي تنظم عمل رأس المال الجريء والعلاقة بين المستثمر ورائد الأعمال والتي تقدم الحوافز للمستثمرين لاتخاذ المبادرة بهذا الاتجاه.

اقرأ أيضاً: قصتي، من عديم المعرفة إلى مطّلع على عالم ريادة الأعمال والريادة الاجتماعية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى