أخر الأخبارإقرأ أيضاالرئيسيةقد يهمكيوميات مواطن

“صلاح الدين” ينهض بعكازين .. وحفنة من الأمل

يجلس “أبو محمد” متأملاً مئذنة الجامع المتضررة، يتذكّر لحظات القصف العنيف، ويحمد الله على النجاة، يصرّ أنّه نجا من الموت مراراً ليعيد بناء ما هدمته الحرب.

سناك سوري – محمد العمر

تبدو خطى الحرب واضحة في حي “صلاح الدين” بمدينة “حلب”، حيث لا زال الدمار الكبير شاهداً على أعنف المعارك، وموجات القصف التي مرّت من هنا.
هذا الحي الشعبي الفقير الأقرب إلى “العشوائيات” شهد أول اشتباك مسلّح في “حلب” شهر تموز ٢٠١٢، و عاش تجربة الحرب كاملة حتى نهاية ٢٠١٦، تعرّض فيه لكافة أنواع الدمار، وشهد موجة النزوح الأكبر مع دخول “لواء التوحيد” إليه، حيث فرغ من سكانه تقريباً، و تعرّضت منازله ومحلّاته التجارية لموجات النهب والسرقة على اختلاف أنواع اللصوص.

مع حلول المساء تستتر ملامح الخراب، تتغير صورة الحي نسبياً ليبدو المشهد مناقضاً تماماً لما جرى قبل عام و أكثر.
الحي الذي تجوّل فيه سناك سوري يغلي بالمارة والباعة والسيارات المضطرة للتباطؤ في ازدحام اعتيادي، ولا يبدو على تلك الشوارع الممتلئة بالمحال التجارية المفتوحة حتى وقت متأخر من المساء، أنها كانت ساحة لأعنف المعارك، لكن آثار الدمار والأنقاض المتراكمة على جوانب الطرقات تبقى شاهدة على سوريالية المشهد و تناقضه.

فرغم كل شيء مرّ على الحيّ، تبدو تلك الإرادة في نفوس سكانه أقوى من غاية الحرب في الحكم على المدينة بالموت، لذا فإن هؤلاء عادوا سريعاً، ورغم أنه واحد من أكثر الأحياء تضرراً، إلا أنه وبدون منافسة، كان أول حي في “حلب” عاد للحياة نسبياً بعد سنوات من سيطرة الفصائل والكتائب الإسلامية المسلحة عليه. هذه العودة السريعة لسكان الحي المعروف بكثافته السكانية شجعت أصحاب المحال التجارية على إعادة الإقلاع بسرعة، ما أعاد للحي صورة السوق الشعبية المتكاملة والمزدحمة على الدوام، مستعيداً بعضاً من رونق الحياة التي يحلم بها قاطنيه.

تبدّلت الصورة عمّا كانت عليه قبل قرابة عام ونصف تقريباً، إزالة الحواجز و فتح الطرقات أمام السيارات ساهم في إعادة بعض الحركة الاعتيادية للحي، كما أن النشاط الذي بدأ به “مجلس مدينة حلب” بإزالة الأنقاض وترحيلها بدا غير كافٍ بالنسبة للمساحات الواسعة للأحياء الشرقية عامة، ونسبة الدمار الذي تعرضت له، وما نتج عنه من أنقاض وبقايا المباني المدمرة. كما أن الطرقات لا زالت محفورة بين مكانٍ و آخر بفعل القذائف التي كانت تسقط خلال المعارك الطويلة.

اقرأ أيضاً خطوة مهمة جداً في حلب.. ورشة عمل لتطوير الخطاب الديني

أما الشبكة الهائلة المنتشرة في كل الشوارع والأزقة من الأسلاك الكهربائية، فهي شبكة عنكبوتية لاستجرار الكهرباء من المولدات الخاصة “الأمبير” بسبب غياب الكهرباء النظامية عن أجزاء من الحي، وساعات التقنين الطويلة في المناطق التي لا زالت تصلها الكهرباء .
و بانتظار انطلاق عجلة “إعادة الإعمار” الموعودة، يبقى ما يقارب ٣٥٠ ألف عائد إلى الأحياء الشرقية حسب آخر إحصائيات “اليونيسيف” ضحايا يوميين لآثار الحرب التي لا تنتهي بانتهاء المعارك.
بالمقابل تبدو الأجزاء الأقرب إلى “أوتوستراد الحمدانية”، و التي بقيت تحت سيطرة “القوات الحكومية” الأقل تضرراً بالنسبة لتلك التي كانت تخضع لسيطرة الفصائل المسلحة. بالقرب من جامع “الزبير بن العوام” يجلس “أبو محمد” متأملاً مئذنة الجامع المتضررة، يتذكّر لحظات القصف العنيف، ويحمد الله على النجاة، يصرّ أنّه نجا من الموت مراراً ليعيد بناء ما هدمته الحرب.

عاد “أبو محمد” إلى محله بعد أربع أعوام من النزوح نحو الأحياء الغربية، ليجده قد انهار سقفه ودخلت إحدى السيارات التي وضعها المسلحين كمتراس إلى داخل المحل. لم يعوّضه أحد، ويقول لـ سناك سوري أن عوضه على الله الذي يكثر حمده حين يشرح كيف أعاد بناء السقف، وكيف أزالت البلدية تلك السيارة، وكيف اشترى طاحونة بنٍّ صغيرة، واستعاد محله المتواضع الذي يمثّل له مصدر الرزق الوحيد لإعالة أسرته.
رغم كل ما عاناه الرجل الستينيّ إلا أنه لا زال يمتلك قدرة على الخروج كل صباح نحو بداية جديدة لا زال حلم استعادة الماضي يراود الكثيرين، ولا زالوا يكافحون بكل قواهم لاستعادة ذلك الحلم، على رأي الراحل “سعد الله ونوس” :نحن محكومون بالأمل.

اقرأ أيضاً تبادل خبرات في “إعادة الإعمار” بين حلب واللاذقية “الله يستر”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى