الحرب دمرت الأصول الإنتاجية لأهالي حوران وشلّت سبل معيشتهم.. الأسوأ بانتظارنا
سناك سوري – شاهر جوهر
لاتذكر “نزيهة الحريري” ( 80 عاماً) من سكان “حوران” أنها اشترت البندورة أو البطاطا في حياتها إلا في السنوات الأخيرة من الحرب، تقف اليوم كل صباح في السوق تتابع أسعار الخضروات، تتنقل من بائع لآخر لعلها تجد من يبيع البندورة بأقل من 700 ليرة، قالت لـ”سناك سوري :«إن ارتفاع أسعار الخضروات بهذا الشكل وسعر كيلو البندورة وصل لـ 1000 ليرة من علامات الساعة».
وكمن تحدّث نفسها بضيق، تضيف في لهجة حورانية جميلة :«حتقوم القيامة يا وليدي، بحياتي ما شتريتش بندورة أو خيار أو أية خضرة من السوق، كلّه كان متوفر بالمزارع والحواكير، الي بدو خضرة بروح عالمزارع بياخذ حاجته و بيروّح لولاده، هي حوران يمّا بتطعمي وما بتجوع، ما بذكر حدا جاع فيها».
منذ العام 2019 و”حوران” تعيش أزمة غذائية يمكن وصفها بالحادة، ومع انتشار جائحة كورونا وما لها من أثر سلبي بليغ على الأمن الغذائي، وخروج المنتجات الزراعية والغذائية المحلية المستمر خارج البلاد بطرق غير شرعية وعدم تمكن الدولة من ضبط الحدود أو حماية المستهلك من تلاعب التجار بالأسعار، فضلاً عن العقوبات الإقتصادية التي قيّدت حركة الصادرات والواردات، كل ذلك جعل أكثر من نصف السكان في المحافظة اليوم يعيشون فيما يسمى “بالظروف المجهدة”، أي ممن يحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة، كما أن قسماً كبيراً منهم بات يتوقع انزلاقه إلى الجوع الحاد بسبب تلك الأسباب التي باتت تؤتي نتائجها دفعة واحدة اليوم.
اقرأ أيضاً:ديون السوريين تراكمت عام 2018 أكثر من أي وقت مضى
قدّر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في آذار الماضي عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي داخل سوريا بنحو 7.9 مليون شخص، وتُشكل نسبة من يعيشون في فقر مدقع في سوريا 75% من عدد السكان الكلي، ووفق تلك الأرقام جاء ترتيب “سوريا” وفق درجة خطورة الأزمات الغذائية العام الماضي في المرتبة السابعة من بين أسوأ 10 أزمات غذائية في العالم.
اقرأ أيضاً:هذا الشتاء قاسٍ جداً جداً – شاهر جوهر
الحديث عن العجز الغذائي في عموم “سوريا” قد يبدو مألوفاً للسوريين، لكن حين يصل الحديث عن أن نسبة الغذاء الآمن في “حوران” قد تبلغ نصف الغذاء فقط، يعد مؤشراً خطيراً للغاية على مستقبل الغذاء في عموم البلاد وليس المحافظة فقط، لكن السؤال لماذا “حوران” ؟
“حوران” هي سهل زراعي خصب، تغطي حاجة البلاد بالقمح والخضروات على مدار العام، و كانت ولم تزل تحتل المركز الأول في إنتاج البندورة والخضراوات بشكل عام، فمنذ القديم كانت الحضارات المتعاقبة على المنطقة تعتمد عليها في إنتاج جزء كبير من محاصيلهم الزراعية، فكانت الامبراطورية الرومانية تطلق على “حوران” اسم “مملكة إهراء روما” وذلك لخصوبة أرضها ووفرة محاصيلها الزراعية وخاصة قمحها الذي يمتاز بجودته العالية، كما اعتمدت الدولة العثمانية على قمح “حوران” لتموين حاجات السكان والجيوش في عموم “بلاد الشام” وليس “سوريا” فقط .
اقرأ أيضاً:تقرير أممي: العقوبات على سوريا فاقمت الوضع الإنساني وعقدته
ومن جهة ثانية استغلت بعض الدول والحضارات تلك الخيرات بفرض شروطها السياسية على باقي المناطق المتمردة، كما فعل “جمال باشا” عام 1915 بقطعه خيرات “حوران” عن “لبنان” و”فلسطين” كوسيلة ضغط سياسية آنذاك، لهذا وعت الحكومات الوطنية اللاحقة أهمية “حوران” كداعم للأمن الغذائي للبلاد، واعتبار تأمين فلاحيها ومزارعيها حائلاً للوقوف في وجه أي جائحة تجتاح البلاد، وبالتالي أصبحت في نظر أي حكومة “سلة غذاء سوريا” بلا منازع.
اقرأ أيضاً:دراسة: 10 مليون سوري بحاجة للغذاء وسبل العيش
اليوم ارتفعت في “حوران” أسعار الغذاء بشكل كبير جداً، كيلو البندورة وصل لـ 1000 ليرة سورية ومخصصات الخبز للفرد الواحد رغيفين إلا ربع، وهي المرة الأولى التي يشعر فيها السكان أنهم في مأزق غذائي منذ العام 1916 و 1917 حين ضربت المجاعة المنطقة آنذاك، لهذا يتساءل البعض اليوم كيف تحولت “حوران” من سلّة غذاء “سوريا” إلى الباحثة عن سلّة غذائية من برنامج الغذاء العالمي؟
بعد مضيّ تسعة أعوام على الصراع لا يملك الحوارنة شيئاً لمواجهة التهديدات الجديدة (جائحة كورونا، العقوبات الاقتصادية، تخبط الحكومة في منع التهريب وصعوبة مراقبة التجار وغيرها)، وتأثير كل ذلك على سبل معيشتهم، فقد أدت الحرب إلى تدمير الأصول الإنتاجية للسكان وشلّت سبل معيشتهم، ولم تعد الأسر في الجنوب اليوم قادرة على التكيف أكثر من ذلك.
الآثار الاقتصادية الناجمة عن هذه الأزمات مستمرة، وبالتالي من الصعوبة اليوم القول أن الأزمة انتهت أو في طور التعافي، بل للأسف يمكن القول أن الأسوأ قد يكون أمامنا اليوم لا خلفنا، خصوصاً حين نرى أن قسماً كبيراً من السكان بات ينتظر بحسرة سلّة غذائية مكوناتها ما كانت تنعم وتجود بها أرضهم.
اقرأ أيضاً:أيقتلك البرد؟ أنا يقتلني الغياب.. شتاء المحبة والأعياد والمعاناة!