
قوبل إعلان الرئاسة السورية عن تشكيل “الهيئة الوطنية للعدالة الانتقالية” بترحيب محدود، قابله شعور واسع بخيبة الأمل في أوساط العديد من السوريين الذين كانوا ينتظرون مساراً للعدالة يشمل جميع المتضررين من الحرب، لا أن يُحصر بمن تعرضوا لانتهاكات على يد النظام السابق فقط.
سناك سوري-دمشق
المرسوم الذي نصّ على تشكيل هيئة مستقلة، تعنى بكشف الحقيقة حول “الانتهاكات الجسيمة التي تسبب فيها النظام البائد”، وتقديم المسؤولين عنها للمساءلة، اعتُبر من قبل كثيرين إعلاناً عن عدالة انتقائية لا تمثل جوهر العدالة الانتقالية التي يُفترض أن تشمل كل الانتهاكات، وكل الضحايا، وكل الجناة من جميع الأطراف.
الناشط محمد الجاسم أعرب عن خيبة أمله، وقال عبر الفيسبوك: «ما أُعلن عنه ليس عدالة انتقالية بل مسار عدالة أعور، لا يرى سوى جهة واحدة من المأساة السورية العدالة الحقيقية لا تنتقي، ولا تُبنى لخدمة طرف على حساب آخر».
كذلك الحال لدى الحقوقية “جمانة سيف”، التي اعتبرت أن العدالة التي لا تعترف بجميع الضحايا، ولا تمنحهم حقهم في معرفة الحقيقة، ولا تسعى إلى محاسبة الجناة كافة، ليست عدالة، بل خيانة لقيم الكرامة والإنصاف.
من جهته، يرى الباحث “مالك الحافظ” أن المسار الحالي لا يتوافق مع أسس العدالة الانتقالية، التي كما قال في منشوره «تُبنى على ثلاثة أعمدة: الاعتراف، والإنصاف، والكرامة المتساوية لكل الضحايا، وأي تغييب لأحد هذه الأعمدة يحوّل العدالة إلى أداة إقصاء، تعيد إنتاج التفاوتات، وتُضعف فرص المصالحة».
تساؤلات حول الغاية والتوقيت
المرسوم الذي عيّن عبد الباسط عبد اللطيف رئيسا للهيئة، ومنحه مهلة 30 يوما لتشكيل فريق العمل، لم يتضمن أية إشارات إلى المساءلة عن الجرائم التي ارتبكها باقي أطراف الحرب السورية، وهذا ما دفع كثيرين للتساؤل عن مدى استقلال الهيئة، وقدرتها الفعلية على بناء سردية عدالة جامعة.
أليس مفرج، عضوة هيئة التفاوض السورية، عبّرت عن تحفظاتها بالقول: «العدالة لا تكون انتقائية، إذا اقتصرنا على محاسبة طرف واحد، فإننا ننكر ألم الآخرين، ونُكرّس الانقسام، ونمنع التعافي. الكرامة لا تقتصر على طرف دون آخر».
وأضافت أن نظام “الأسد” هو أصل الجريمة في سوريا، وراعي الإفلات من العقاب لعقود، لكن الاعتراف بجميع الضحايا من جميع الأطراف هو مبدأ أساسي في العدالة الانتقالية.
من جهته أعرب “محمد العبد الله”، مدير المركز السوري للعدالة والمساءلة، عن خشيته من تحويل ملف العدالة الانتقالية إلى أداة سياسية، مشددا على أنه مسار إنساني يهدف إلى كشف الحقيقة، محاسبة الجناة، وجبر ضرر الضحايا، وليس لتصفية حسابات أو حماية جهات على حساب أخرى.
وقال العبد الله إن المرسوم يركّز فقط على انتهاكات “النظام البائد”، متجاهلاً انتهاكات فصائل وأطراف أخرى، من الجيش الحر إلى هيئة تحرير الشام، ومن داعش إلى التحالف الدولي، محذرا من أن ذلك يؤسس لـ”عدالة المنتصر”، ويفرغ المسار من مضمونه.
«لا أحد يملك الحق في سلب الضحايا وذويهم حقهم في معرفة الحقيقة، والمحاسبة، والتعويض، أياً كان الطرف المسؤول عن الانتهاك»، أضاف العبد الله، داعيا إلى إعادة النظر بتركيبة الهيئة وصلاحياتها قبل بدء عملها.
في بلد مزقته سنوات طويلة من العنف والانتهاكات، يرى سوريون أن العدالة الحقيقية لا يمكن أن تبدأ من تجاهل جزء من الحقيقة، فالعدالة الانتقالية ليست أداة قانونية فقط، بل مسار لبناء عقد اجتماعي جديد يقوم على المصارحة والمحاسبة والمصالحة.
وبينما يرى البعض أن تشكيل الهيئة قد يكون خطوة أولى في طريق طويل، يؤكد آخرون أن الطريقة التي بدأ بها هذا المسار قد تؤسس لفشل مبكر، وتعيد إنتاج الانقسام، بدلاً من معالجته.