الرئيسيةرأي وتحليل

بين المعارضة والموالاة.. انقلاب المواقف

سناك سوري-رحاب تامر

منذ بداية الأزمة لطالما اختلفنا أنا وصديقي في وجهات نظرنا تجاه الأحداث في سوريا، هو معارض للعظم وأنا موالية للنخاع، لكننا بالمقابل اتفقنا أن نحافظ على صداقتنا بعيداً عن مهاترات السياسية على اعتبار أن الوعي سيد الأحكام والاختلاف لا يفسد للود قضية.

قبل سنتين توقفنا عن النقاش، كنا قد مللنا من آراء بعضنا البعض أو هكذا اعتقدنا، لكن في حقيقة الأمر كانت وجهة نظر صديقي الإدلبي الذي يسكن في السعودية مع عائلته منذ ما قبل الحرب لدينا في سوريا، تتجه للتغيير ومثلها وجهة نظري لكن أياً منا لم يكن يريد الاعتراف للآخر بالأمر وربما كان الاعتراف شيئاً مريباً حتى لأنفسنا.

مرت الأيام والشهور، دون أي تغيير فيما يجري على الأرض بسوريا، كان الألم يزداد ومثله الموت، كنا قد مللنا كل شيء حقاً.. الموت.. الوضع الاقتصادي.. الحكومة.. المعارضة.. ضعفنا وقلة حيلتنا، كلها أمور باتت مملة حمقاء لا تغير شيئاً ولا تقدم أيضاً.

شاءت الأقدار أن تنتهي قطيعة السنتين باتصال هاتفي يخبرني من خلاله أنه في سوريا، ويرغب بزيارتنا، لم يفاجئني الأمر فعلاقة عائلتي بعائلته تمتد لسنوات طويلة وكنا قد اعتدنا تبادل الزيارات حين يأتي من السفر، هذه المرة بالتأكيد لن نزوره في إدلب، حتى هو لا يستطيع زيارة منزله هناك.

أتى اليوم الموعود وجلسنا سوياً لساعات من الليل نتسامر كما الأيام الخوالي، زوجته.. أطفاله.. زوجي.. أطفالي.. للوهلة الأولى اعتقدنا أنه لم يتغير شيء، حتى بدأ حديث السياسة بالتسلل عبر الحديث عن الوضع الاقتصادي، فاجأني وقال لي، هالنظام قوي جداً وإلا ماكان صمد، أجبته طول بالك وين القوة بالموضوع إذا كان نصنا تهجر ونصنا مات والي باقي (كرهان عيشتو)، بدأ يشرح لي معنى الصمود والمؤامرة الكونية وكأنه موالي عتيق وأنا أرد عليه وكأنني معارضة أشد تصلباً من المعارضة ذاتها، انتهى النقاش باستغراب كلينا، فقد بدا وكأننا كنا ننتظر من بعضنا البعض موقفاً آخر، هو كان يعتقد أنه سينهزم أمامي كموالية، وأنا اعتقدت أني سأنهزم أمامه كمعارضة.

القصة السابقة والتي هي بالمناسبة حقيقية تماماً وحدثت قبل فترة زمنية لا تمتد لأكثر من أيام، تختصر قصة انعدام الثقة لدينا كأطراف مختلفة تجاه من واليناهم، فأي طرف لم ينجح في إقناع جمهوره بصوابية منطقه، وأكاد أجزم أن كل موالٍ متطرف في داخله معارض غر، وكل معارض متطرف في داخله موالٍ صغير، ليس لأنه أراد ذلك ولكن لأن أفعال من إنحاز لهم دفعتهم إلى ذلك، فقد أصبح معظم الشعب يتقيأ مواقفه، بعد أن أتخمه الألم والهم والموت.

في هذه الحرب لن يخرج رابح، كلنا خاسرون، ويالحماقة من ينتظر النصر بعد كل هذا الموت، قد ننتصر إذا أعدنا سوريا للسوريين، وأعدنا السوريين إلى سوريا، قد ننتصر وقتها على هزيمة ما بعد الهزيمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى