المواطن السوري المزعج في عصر الإنترنت – أيهم محمود
المجتمعات لا تتغير بفعل الشعارات بل بفعل الاختراعات العلمية

يحن الكثيرون في العالم إلى عصر الإعلام المركزي، حيث الحقيقة-الوهم تأتي من مركزٍ واحد، مدعومةً بالصور والتوثيق في مقابل الإشاعات الشعبية التي تقابل جزئياً ثرثرة الفيسبوك، جزئياً لأن الإشاعة أداة سبر وأداة تخفيف احتقان وأداة نشر الأخبار التي لا يمكن للإعلام الرصين الخوض فيها.
سناك سوري-أيهم محمود
لم تعد مواقع التواصل الاجتماعي أدوات ثرثرة فقط بعد توافر التوثيق والصور التي تنتقل خلال دقائق عبر العالم كله، حدود عالم الثرثرة والإشاعات معروفة وخبراؤها يتحكمون بها بسهولة لكن ماذا عن المولود العالمي الجديد الموثق بالصور والشهادات الإنسانية المتواترة الذي يأمل البعض بوأده حياً للتخلص من شروره؟، الإعلام الرقمي الشعبي الذي يشابه اختراع الكتابة وبعدها اختراع الطباعة، بعدهما تغير العالم إلى الأبد رغم رغبات المتضررين منه بالعودة إلى زمن ما قبل هذه الاختراعات، لا تتغير المجتمعات بفعل الشعارات بل بفعل الاختراعات العلمية التي تندمج بصمت ودون ضجيج في بنية حياة البشر.
لم يكن الخبر الذي أوردته صحيفة الوطن جديداً، “أسعار أسواقنا أعلى بـ ٤٠% من أسعار معظم الدول العربية” لكنه الآن لم يعد قابلاً للتكذيب، هناك أيضاً موقع “هاشتاغ” الذي نشر صورة لأسعار زيت القلي في روسيا ثم تبعها بعد الاحتجاج عليه بردٍ تناول أسعار الموز في روسيا أيضاً، الموز الذي لا يمكن أن يّزرع في المناطق الباردة بالتأكيد، لم تعد مقولة “أسوة بأسعار دول الجوار” تنفع هنا لأن تجار دول الجوار هم من يجب أن يرفعوا أسعار بضائعهم لتتحقق هذه “الأسوة” غير الحسنة مرةً أخرى.
من الصعب إنكار الحقائق المتراكمة وخاصةً أن قسماّ كبيراً من الشعب السوري -تاريخياً وحالياً- يعيش في معظم منافي الأرض، ثرثرة الأقارب العفوية عبر الانترنت كافية لمعرفة أسعار السلع في كوكب الأرض كله، يا لقسوة هذا المشهد على من أدمنوا مفاهيم الإعلام المركزي دون أن يتسنى لهم الوقت لدراسة المقرر الجامعي الجديد، إعلام الانترنت.
اقرأ أيضاً: مأساة الرهائن ومأساة كل البشرية من بعدهم – أيهم محمود
هل مشكلتنا حقاً تلك الزيادة التي تبلغ ٤٠٪؟
لا بالتأكيد.
الأمر أعمق بكثير من مجرد زيادة أسعار وأرباح، نحن نمتلك أخفض سلسلة أجور ورواتب في المنطقة، ورغم ذلك تكون منتجاتنا أغلى من منتجات دولٍ رواتب وأجور عمالها تتراوح بين بضع مئات من الدولارات وآلاف منها، التوقع المنطقي يقول أن على منتجاتنا أن تكون أرخص بفضل الأجور الرخيصة لليد العاملة، إذاً مقدار الربح الكلي ليس فقط مجموع هامش الربح التقليدي مضافاً إليه الزيادة البالغة ٤٠٪ بل هو مجموع نسبة الربح التقليدي ونسبة زيادة الأسعار عن ما هي عليه في دول الجوار مضافاً إليه نسبة انخفاض تكلفة الإنتاج المحلي عن تكاليف الإنتاج في دول الجوار فهل نصل إلى نسبة ضعف تكلفة الإنتاج أم نتجاوزها؟.
أين يذهب كل هذا الفارق الكبير في الأسعار؟ هل يذهب إلى جيوب التجار الجشعين كما يُشاع في ثرثرات الانترنت، أم أن التاجر لا يحصل سوى على قسم صغير من الكعكة لأن من يأكل معظمها هو منظومة الفساد التي يتضخم حجمها باستمرار على حساب حجم المنتجين الحقيقي؟.
يجب رفع أسعار المنتجات لتأمين إطعام هذا الغول الهائل الذي يزداد حجماً مثل السرطان الذي يفتك بالجسم، فهو يكتفي باستهلاك الطاقة فقط متوقعاً أن تعمل خلايا الجسد الوظيفية ليل نهار من أجل تأمين نموه وحاجاته المتزايدة باستمرار دون أي إدراكٍ من قبله أن نهاية هذا السلوك المدمر هو انهيار الخلايا المنتجة وانهيار قدرتها على تأمين طلباته المتزايدة وتأمين متطلبات تمدده الأفقي والشاقولي في الجسد.
أربعون في المائة يجب أن تصبح مؤشراً هاماً على تضخم دور الفساد في ارتفاع أسعار المنتجات خاصةً أن سعر صرف العملات الأجنبية بقي شبه ثابت لفترة طويلة نسبياً، ما هو ثابت حالياً هو أجور ورواتب عمالنا فهي الأرخص في دول المنطقة، وما هو ثابت أيضاً أن هذه “الأسوة” الحسنة لن تصيب الرواتب بل ستبقى محصورة فقط في زيادات الأسعار وفي حرق آخر أمل للسوريين بتحسن واقع الحال.
اقرأ أيضاً: تمييز العاصمة .. المركزية السلبية المفرطة – أيهم محمود