الرئيسيةرأي وتحليل

المصطلحات اللهجوية.. لغة أخرى – ناجي سعيد

ناجي سعيد: هلّ لأنّي أكتب “القاف” حتى لو لفظتها همزة أُعتبر سَلَفي لُغويًّا؟

سناك سوري – ناجي سعيد

لقد انتشر الهاتف المحمول قبل أن يكون اسمه “ذكياً”، فقد كانت الموبايلات من قبل “غبيّة”، ومعيار الذكاء هنا مرتبط مباشرةً بفكرة اختزال استعمال الكتابة، وأقصد طبعًا المعنى الإيجابي المُفيد والمُثمر من الكتابة.

فلا يُمكننا أن نغفل مقولة الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش: “اكتب تكن”، حتى لو لم يأخذ بالحسبان ما أكتب عنه الآن. فالكتابة عند درويش  هي الشعر والقصة والنصوص الأدبية، وكل ما فيه فائدة ومصلحة الإنسان، لا بل البشرية، هذا لو لحظنا فكرة الترجمة التي تكسر حدود اللغة بين الشعوب ليتواصلوا.

اقرأ أيضاً: استخدام العقل.. معضلة البشر المُتعبة  ناجي سعيد

بالعودة للهواتف، يمكنني أن أؤكّد أن العلاقة إطّرادية بين تكنولوجيا الهواتف ومهارة الكتابة، فلكي يرتاح هذا الإنسان، ابتكر تكنولوجيا- ولا أعلم إن كان منتبهًا- بأن حاسة اللمس تضاءلت لدرجة ألغت دور العقل بالفهم والتحليل والإنتاج، والمؤشّر الذي يؤكّد كلامي هو ما حدث معي منذ يومين: وأنا املك هاتفًا ذكيًّا ((iphone) بالتأكيد لمواكبة العصر، وقد تلقيّت صباح ذلك اليوم رسالة (فيديو مسج) في الصباح الباكر، وانا لازلت في الفراش، وانا بالطبع لست مّمن يتداولون الرسائل بشكل ببّغائي. لكن، ولسهولة التعامل مع الهاتف الذكي عن طريق اللمس، لمست الفيديو فبدأ يعمل، وأنا في الفراش، ممّا يعني بأنّي تعاملت مع “المسج” بدون النظّارة. فلم أعر انتباهًا بصريًا للفيديو المُرسَل، بل سمعت الأغنية المرافقة للفيديو وأرستله إلى مجموعة فيها ناشطين بالتنمية والأغنية كانت “وزّع شوكولاتة وطعمينا”..

تبين أن الفيديو مُعيب، وغير لائق، ليس حتّى بناشطين يعملون في مجال التنمية الإنسانية، بل مُهين للقيم الإنسانية عامةً، ويتعاطى مع المرأة بشكل غير محترم وكأنها سلعة. تتضمن الرسالة مع الأغنية، فيديو رجلُ يلحق المرأة ويدهن جسدها شبه العاري (ملابس بحر) ومن ثمّ يحملها على كتفيه ويسير بها، والأفظع من ذلك أن يطلب من الناس “لعق” الشكولا من على جسدها.

بالطبع، حذفته فورًا. وأنا عادةً لا أشعر بالندم على سلوك أقوم به في مساحتي الخاصة، لكنّ تملّكني الندم والأسف لخرقي مساحة عامة، أُجلّ وأحترم أصحابها، لا بل أعطيها من كلّ قلبي،”يا زلمي ما بدّها هلقد”.. بلى، فهذا خطأ “دماغي” وليس سهلاً أن أغفر له، وأنا الحريص على التعمّق في وظائفية الدماغ، وأشرع في تحليل الكثير من المواقف والسلوكات اللفظيّة وغير اللفظيّة، وأربط التحليل بأبعاد اجتماعية، سياسية، مُجتمعيّة، دينيّة..

اقرأ أيضاً: هوياتنا المكسورة في صور واستعراض فيسبوكي فارغ

شتتّني هذا الحدث عن ما كنت أفكّر بالكتابة عنه لهذا الأسبوع، فقد كنت غارقًا في ابتكار مصطلح مغاير في اللغة، ففي اللغة العربية هناك لغة عربية فُصحى، ولغة عاميّة، وفي اللغة العامية هناك لهجات. تحتاج إلى مترجم لفهم بعض اللهجات، فلا يمكن لأي ضليع باللغة العربية أن يفهم الجملة التالية التي يقولها أهل المغرب : “شرشيت عليك بالشامبرا ما تروفتكش، وهي تصريف الأفعال الفرنسية بتعريب لفظي يُولد لغة هجينة جديدة، (شرشيت:chercher)، (شامبرا:chambre)، (تروفتكش:ne trouver pas). لكنّ ما طرأ على اللغة يفرض مفهومًا جديدًا، وهنا يمكنني الربط بين الموضوعين (هاجسي دائمًا) التكنولوجيا والدماغ.

فمثلما انغمس دماغي بالتكنولوجيا دون أن يحترم القيم الإنسانية، لم يستطع دماغي حتّى الآن، أن يتقبّل اللغة المكتوبة على وسائل التواصل الإجتماعي (واتساب وفايسبوك..) بدْءًا ب (حبيب ألبي)، إلى (أريت مئال مهمّ اليوم) أضف أن الطامّة الكبرى عندي: الكتابة بحسب اللفظ واللهجة المناطقية : فأهل منطقة معينة يقولون تَعْ بمعنى تعا، مَشْ بمعني امشي، و رو تا نرو، بمعنى روح لنروح، وهنّون بمعنى هنّي أو هم.

تظنّ لوهلة أن بعض المصطلحات “اللهجوية” تنتمي إلى لغة أخرى، ولا أعلم أنّ عبقرية “سعيد عقل” في مجال اللغة، كانت سجينة فكره اليميني المُتطرّف الذي أنتج لغة “فينئية” وجعلها ميزة تخصّ الشعب “الفينيئي” كما يُقال، واستخدمها اليمينيون ليوحوا للعالم بأنّ “اللغّة” كما يسميها سعيد عقل (مع الشدّة على الغين) هي وليدة التاريخ فقد كان أجدادنا الفينيقيون يستخدمونها.

وفي الوقت عينه، سجن هذه اللغة المُبتكرة أيديولوجيًّا في خانة اللاعروبة، فمعتقده اليميني معادٍ للقومية والعروبة، حتّى لو كان بإمكانه أن يسلخ جغرافية المنطقة ليتلاعب بتاريخ يلائم أهوائه المُتطرّفة اليمينيّة، نعم لا ضير في أن يكون سعيد عقل المُبدع وشاعر “يارا الْ جدايلها شقر”، يحمل معتقد وفكر مُتطرّف لدرجة إلغاء الأخر.

فاللغة الإبداعية لا تمرّ من “زاروب” القيم الإنسانية، وقد تعمّدت استخدام مصطلح “زاروب” للإشارة إلى الهوّة والضياع التي تحدُث في دماغ من يقرّر سلوك هذه الزاروب، فطريق الفنّ مُغاير لطريق القيم والأخلاق، أي نعم عامود الفنّ الجماليّة، لكن لا ينفي صفته الفنيّة الجمالية لو حمل صاحبه فكرًا متطرّفًا، ويحضرني ما كان يقوله لنا أستاذنا في معهد الفنون الجميلة:  “الفنّ شي والأخلاق شي تاني، ما دخلهن ببعض”. فهلّ كلّ من يُخاطبني كتابةً باللغة الملفوظة يماشي العصر والموضة؟ أم لأنّي أكتب “القاف” حتى لو لفظتها همزة أُعتبر رجعي ومُتخلّف.. وسَلَفي لُغويًّا؟

اقرأ أيضا: التغريد بعيداً عن منطق التربية  ناجي سعيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى