الرئيسيةرأي وتحليل

استخدام العقل.. معضلة البشر المُتعبة – ناجي سعيد

الجدلية الفلسفية الشرقية القديمة صراع الخير والشر.. هل أنت إنسان خيّر أم شرير.. لا تحكم قبل أن تقرأ!

سناك سوري-ناجي سعيد

ترتكز الفلسفات الشرقية على ثنائية تاريخية منذ الأزل، وهي صراع الخير والشرّ، وهما قطبان لا يلتقيان أبداً. ونعزو عدم اللقاء بين هذين القطبين، إلى التناقض بين عدّة مفاهيم تنضوي تحت عباءة كُلّ مفهوم على حدى.

فمفهوم الشرّ يتضمّن كُلّ الصفات الشريرة والتي تؤذي صاحبها الذي يتعمّد أذيّة الآخرين. ومفهوم الخير يُضيء المساحة الإيجابية الآمنة التي تعكس عند الفرد، سلوكاً فيه فائدة ومصلحة الأنا والآخر. فالمنظومة الشريرةّ تحمل في طيّاتها الأذى للذات وللآخر، وهذا عنف بطبيعة الحال. أمّا الإنسان اللاعنفي فمن الحتمي أن يُحسب على منظومة الخير، وبالتالي من يريد خيراً لذاته يريده للآخرين في سياق متّصل.

مقالات ذات صلة

والسؤال هنا، هل صفات الإنسان الإيجابي الخيّرة نابعة من ذاته؟ وهل العكس صحيح؟ مع إضافة فكرة: سببية وجود الشرّ والعنف كردّة فعل الإنسان على سلوك الأخرين تجاهه، وبالتالي فهذا الشرّ لا ينبع من أصالة الذات. وكما يقول فلاسفة اللاعنف أن الإنسان بطبيعته خيّر، ويريد الخير لكلّ الناس.

حتّى الأديان لها نفس الموقف وقد ورد عن رسول الله في الصحيحين أنه قال: “الله خلق آدم على صورته”. والله محبّة . وهذا يكفي لتأكيد قصدية الإنسان بالأحوال الطبيعية، فلو فصّلنا الحالات غير الطبيعية، ( الشرّ، الحسد، الغيرة، الأذى، العنف..) لاستنتجنا أن هذه صفات صادرة عن نفس مريضة، وما يدعّم مقولتي الآية التي وردت في القرآن الكريم في سورة يوسف (الآية54) “..النفسُ أمّارة بالسوء..”.

اقرأ أيضاً: مواجهة المجتمع… البيئة لا تفرض علي “لباسي” – ناجي سعيد

وما ألاحظه من خلال تجربتي بالعمل مع الناس، أن الناس تميل إلى الخطأ، وليس هذا حكماً على عامة البشر، فمن خلال طبيعة الدماغ البشرية، أن الإنسان كائن علاقات ومُحبّ للتعلّم، لكنّ القصور الدماغي يُنتج اختزال مسار عمليّة التعلّم الطبيعة، ويلجأ فوراً للعب دور المُعلّم أو الواعظ. وهذا مرتبط بنظام مُجتمعي يأخذ مساحة التعلّم ليحوّلها إلى نظرية التعليم. فيشعر الذي يلعب دور المُعلّم نفسه بمرتبة أعلى من باقي البشر. فالعادة النابعة من الإحساس بالأمان لا تأبه بفكرة ديمومة التعلّم الذي تعاكس جملة :” حفظتَ شيئًا وغابت عنك أشياءُ”.

المعضلة المُتعبة للبشر بالواقع، هي فكرة استخدام العقل، وهذا ليس تعميماً بل تجربتي كفرد في العمل مع الناس. والعقل الذي يحتوي على ملكة التفكير النقدي، تحتّم عليه التفكير ليناقش أي معلومة تورده. وبالتالي يُلزم الذهاب إلى أزقّة التواصل الإنساني بين البشر، خارج التدقيق بالمعلومة الواردة، بل بتداولها فوراً لأنها تساهم في إبراز جزء من هويّة الإنسان البشري، الذي تتغلّب مهارة الكذب على قيم إنسانية يدّعي أنها ملكه. والتملّك هنا للقيم يركن في زاوية الصورة الجميلة التي يسعى الظهور من خلالها. فلا يهتمّ لمغامرة الظهور بشكل مُختلف. فالإختلاف مرفوض في المجتمع، ويعكس على الفرد أن يكون سلبيًّا مع القيم والصدق الداخلي على أن لا يمسّ بالسوء قيمة هويّته المقدّسة بنظره عند العالم.

والمشكلة هنا والتي لا تُقنع الفرد بأن جميع صفاته اكتسبها من نظرة العالم له، وهي بالحقيقة ليست عنده. فهوية الإنسان الفردية هي نتاج جماعي يغلب صفاته الفردية التي يخشى الإفصاح عنها خوفاً من خسارتها. وهذه ليست دوّامة بل حقيقة. من يجرؤ على الظهور بمظهر مختلف يربح شيئاً واحداً: حقّ الإختلاف فقط. والواقع يعطي أمثلة عديدة عن ذلك، كيف يكون الإنسان لا عنفيًّا ويتمنّى الموت لعدوّه. ففي السياق السياسي الإقليمي، يتفاعل الناس مع جريمة بكلّ المقاييس الإنسانية وهي قتل إنسان. فمناصروا هذا الإنسان يسمّونه “شهيداً” ويأسفون لقتله مع نعت القاتل بالصفات الإجرامية، ولستُ بصدد نقاش إن كان مُجرماً وظالماً يقتل أبرياء. ففي الطرف الآخر يُهلّلون لقتله ويُعدّون أنفسهم من ذوي حملة الصفات القيميّة الإنسانية (العدالة، والحقّ..). والحيرة التي تلازم لاعُنفيّتي كيف أفرح لقتل مُجرم يقتل أبرياء؟.

اقرأ أيضاً: الزايد أخو الناقص – ناجي سعيد

وبالعودة إلى مُستهلّ حديثي هل الصراع الذي أناقشه بين الخير والشرّ يُلزمني كإنسان خيّر، أن أؤيّد قتل إنسان ظالم؟ كأن الإنسان رهن لهذا الصراع التاريخي الفلسفي، خير أم شرّ؟ الخير قيمة لا تتّسع للشرّ وإلاّ تكون خيراً مع استثناء بسيط ومعقّد في الوقت عينه. فلا يوجد قيمة إيجابية تضمّ معها جزءاً من الشرّ. ليس الموضوع إصطفافًا. فتشجيع فريق كرة قدم يأتي من مصدرين: عاطفي أو عقلي. عاطفي من جهة أني أُشجّع الفريق الذي ورثت عن عائلتي تشجيعه أو لأسباب أخرى وهذا لا يمنع خسارة الفريق أحياناً. وحينها يكبر الشعور بالحزن عند الخسارة.

ومن الجهة العقلية أُشجّع فريقاً لأنّ مهارات لاعبي الفريق ممتازة، وهذا أيضاً لا يمنع خسارة الفريق مرّات عديدة. والشعور بالحزن هو نفسه في الحالتين. إذاً فما هو الفارق؟ إنّه طريقة التعبير عن هذا الحزن. فسلوك المُشجّع الذي خسر فريقه قد يحوّل الحزن إلى غضب. وهنا أذكر جيداً حين كنت أعمل في “السعوديّة” فمشجّعوا الهلال والنصر (أهم فريقي كرة قدم في السعودية) يكسّرون ويخرّبون في حالتي الخسارة والربح!! وهنا تظهر ثقافة التعبير عن المشاعر. ولا علاقة للخسارة والربح في ذلك. فقد صادفت حضوري على التلفاز المباراة الشهيرة التي خسر الفريق البرازيلي (الذي أُشجّعه) أمام ألمانيا مع صديق ألماني، فعند نهاية المباراة عبّر لي صديقي بجملة واحدة فقط :”Hard luck”. بينما بقي أصدقائي إلى الآن يعلّقون بشكل سلبي ويتنمّرون.

لقد عشت التنمّر في حياتي، حيث نشأت في قرية وكانت عائلتي تنتمي لحزبٍ مغاير للهويّة الحزبية المسيطرة حينها.مع أنّ تأييدي للحزب المختلف نابع من طرح حقوقي. حيث تؤيد الرؤى اليسارية تدخّل الشعب في الحكم العادل الذي يجب أن تنتهجه الدولة وهذا تكريس للمذهب جماعي تشاركي، بينما يُفضّل الطرح اليميني مجاراة آليات السوق للكسب المادي الاقتصادي الذي يعود ريعه إلى النظام الحاكم الديكتاتوري وهذا تحديداً هو المذهب الفردي. حلّ المعضُلة يكمن في إشراك الفرد الفعّال بمصلحة الجماعة كي لا تنحاز إلى فرد طمّاع وديكتاتور.

اقرأ أيضاً: الديمقراطية في العمل السياسي – ناجي سعيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى