الرئيسيةيوميات مواطن

المدير العام يبذل جهوداً مستمرة.. بين بناء دولة المؤسسات والأفراد

لماذا لم ننتقل بعد من مؤسسات الأفراد إلى مؤسسات الدولة والمواطن

في ردّها على طلب مواطن تأمين خدمات البريد في منبج، قالت المؤسسة العامة للبريد إن «المدير يبذل جهودًا مستمرة لافتتاح مكاتب في مختلف المناطق». قد يبدو هذا الردّ للوهلة الأولى تفاعلًا طيبًا مع تعليقٍ عام، لكن الخلل هنا في اللغة التي تُسند الفعل إلى الفرد بدل المؤسسة، فتُعيد إنتاج ثقافة «المدير البطل».

سناك سوري – بلال سليطين

هذا الردّ قد يراه كثيرون اهتمامًا ومتابعةً واستجابةً لتعليقات المواطنين واحتياجاتهم، لكن هذا ليس الجانب الأهم في الموضوع.

ما حدث هنا أنّ المؤسسة اختزلت الأمر بالفرد، أي المدير الذي يديرها، واستمرّت في ترسيخ ثقافة «الفرد البطل» الذي يدير المؤسسة، بدل أن تكون المؤسسة الحكومية هي المعنية بخدمة الشعب.

المدير موظّفٌ يأتي ويرحل؛ ومن مسؤوليّاته إدارةُ هذه المؤسسة للقيام بواجباتها تجاه المواطنين المستحقّين لخدماتها. وهو ليس المؤسسة، والمؤسسة ليست له؛ وهذه ثقافةٌ موروثةٌ وتراكميّة يجب التخلّص منها.

إسناد الأفعال إلى المدير يُحوّل الخدمة العامة إلى منّة شخصية ويضعف الاستمرارية والمساءلة. فمن يبذل الجهود هنا ليس شخص المدير، بل مؤسسة البريد بكل عمّالها وموظّفيها، بما تمثّله من مؤسسة دولة مُناطٌ بها واجباتٌ عليها القيام بها.

بتوجيه من رئيس المطبخ.. قامت الملعقة بتحريك الشاي!

ردّ المؤسسة من حيث الشكل جميل وفيه اهتمامٌ بالتعليق، لكنه يتضمّن اهتمامَ المدير لا اهتمامَ المديرية. ماذا لو تغيّر المدير؟ هل ستتوقّف الجهود أم ستستمر؟ بالطبع يجب أن تستمر؛ فهذه خطّة المؤسسة التي يجب أن ينفّذها أيّ مدير، وليست خطّة المدير.

«المدير البطل» ظاهرةٌ خطيرة في بناء سوريا الجديدة؛ فهي ما تزال قائمة ولم يُستَغنَ عنها، ونلحظها في مناسبات كثيرة. إذْ تذكر صفحات المؤسسات والأخبار صيغًا تشير إلى المدير لا المؤسسة، كأن يُقال: «بجهود المدير العام»، «بمتابعة المدير العام»… إلخ؛ وكلها صيغٌ يجب تغييرها لتعبر عن المؤسسة لا عن الفرد، بحيث يُقال: «تابعت مديرية البريد كذا»، «بجهود مديرية البريد وصلت الخدمات إلى كذا». ومن يمكن ذكره إلى جانب المؤسسة فهم العمّال أو الكوادر لا المديرون؛ كأن يُقال: «بجهود مديرية البريد وكوادرها/عمّالها، اُفتتح مركزٌ للبريد في منبج».

طبعًا، هذه الثقافة منتشرة على مستوياتٍ عدّة، وليس على مستوى أدمن صفحة «فيسبوك» في مديريةٍ ما؛ نجدها في مختلف المؤسسات وتعبّر عن سياساتٍ بكل تأكيد. حتى أن بعض وسائل الإعلام في سوريا الجديدة راحت تكرم المدراء على جهودهم وتساهم في ترسيخ ثقافة الفرد.

فعندما تنشر صفحةُ وزارةٍ أنّه «بتوجيهٍ من الوزير» تمّ افتتاح مركز خدمةٍ للمواطن، فهذا ترسيخٌ لثقافة «الوزير البطل» لا لثقافة الوزارة المسؤولة عن خدمة المواطنين. أو كأن يُقال: «بتوجيهٍ من المحافظ تمت صيانة صرّافٍ في بنك»، فهذا احتكارٌ للحلول بيد المحافظ؛ وليس نجاحًا للمسؤول، بل فشلٌ في أنّ المعنيّين لا يستطيعون العملَ إلّا بتوجيهاته.

بتوجيه من …. الجملة التي تصاحب كل فعل يقوم به مسؤول سوري

هذا الواقع عرفناه طويلًا في إعلام البعث وثقافة مسؤوليه، إلى درجة أنّ رئيس الوزراء لم يكن يوقّع ورقةً إلّا «بتوجيهٍ من». وهذه ثقافة لا تبني دولةَ المؤسسات، بل تبني مؤسساتِ الفرد، لا مؤسسات الدولة والمواطن.

زر الذهاب إلى الأعلى