الرئيسيةرأي وتحليلقد يهمك

الغوطة الشرقية.. نقطة اللاعودة

سناك سوري – مازن بلال

فقدت “الغوطة الشرقية” موقعها في خارطة التحول السوري، فهي على عكس باقي مناطق التوتر لم تعد تعني بالنسبة للدول الإقليمية أي تأثير باستثناء استخدامها كورقة ضغط، وليس كمسار تحول كما يحدث في الشمال السوري عبر محافظة “إدلب”، أو في الجنوب من مدينة “درعا” وصولا إلى “التنف”، فالمشكلة أن “الغوطة” أصبحت حالة إرباك حتى للدول التي كانت تراها بوابة لدفع السلطة باتجاه سياسي خاص.

عمليا فإن المعارك الدائرة اليوم تنقل مشهدا واضحا لمأزق “الغوطة الشرقية”، والحملة الإعلامية التي سبقت حالة التصعيد سرقت عمليا أي قدرة على المناورة السياسية على الأقل، ومهما بحثنا عن نقطة انطلاق لمرحلة التصعيد الأخيرة فإننا سنقف عند خط واضح من عدم القدرة على التحرك بحرية، سواء بالنسبة للقوات الحكومية التي تخوض معركة على إيقاع ضغط سياسي، وسباق لفرض تسوية في ظل تعثر العملية السياسية، وعلى المقلب الآخر فإن “المجموعات المسلحة” فقدت أهدافها بشكل تدريجي، ومعظم عملياتها العسكرية لا تغير من أي معطيات في مستقبل الغوطة أو في موقعها من خارطة الصراع.

المعارك الحالية بالنسبة لكافة فصائل “الغوطة” هي تعامل مع ميدان مغلق، فهي ومنذ عام 2015 وبعد مقتل “زهران علوش” فقدت المبادرة باتجاه محاصرة العاصمة، فعملية قتل “زهران” يمكن اعتبارها نهاية مرحلة لأنها عبرت عن تحول سياسي أكثر من كونها عملية اغتيال، وتلى ذلك دخول “جيش الإسلام” في مفاوضات “أستانة” وقبوله بمناطق خفض التصعيد مؤشر على أمرين:

– الأول أن الوضع العسكري الاستثنائي لمنطقة الغوطة نتيجة قربها من العاصمة انتهى، وفصائلها في النهاية ستدخل ضمن إطار تسوية “معقدة” نوعا ما، لأنها مرتبطة سياسيا بعملية “جنيف” وعسكريا باتفاقيات “أستانا”.

أصبح “جيش الإسلام” موجوداً ضمن شرط إقليمي مختلف، فهو معني بالدرجة الأولى بتأمين توازن في مواجهة استرجاع القوات الحكومية لزمام المبادرة، ومن جانب آخر توسيع مساحة التفاوض في جنيف وفقدان “وفد الهيئة العليا للتفاوض” الأولوية في تمثيل المعارضة، وفي مرحلة متأخرة أصبحت باقي المنصات ضمن “الهيئة العليا للتفاوض”، فجيش الإسلام المتحكم بشرق العاصمة واجه استحقاقا مختلفا تماما عن السابق، ومهمته العسكرية تقلصت إلى حدود فرض أمر واقع يربك الحكومة السورية فقط.

– المؤشر الثاني مرتبط بعلاقة “جيش الإسلام” بباقي الفصائل بالغوطة، وبالتحديد فيلق الرحمن الذي حاول التملص من الشروط المفروضة على “جيش الإسلام” وفضل التعاون مع “جبهة النصرة” في الغوطة، ولكن هذا الأمر لا يعني أنه قادر على فرض معادلة جديدة.

التصعيد اليوم يأتي من الظروف التي تطورت في شرق العاصمة خلال الأعوام الماضية، فأصبحت الغوطة الشرقية مساحة مغلقة على المستويين السياسي والعسكري، في وقت لا تبدو الدول التي دعمت المجموعات المسلحة أنها قادرة على القيام بمبادرات جديدة، وفي المقابل فإن “دمشق” تعرف أنها أمام خيار قاس ولكنها في المقابل غير قادرة على تجاهل معادلة القوة التي دخلتها بقرارها تجاوز أي ضغط يمكن أن تفرضها المجموعات في الغوطة على التفاوض القادم، فالقسوة التي تتسم بها المعارك اليوم هي في النهاية نتيجة انتهاء الخيارات القديمة للطرفين، وربما البدء بزمن مختلف ينسجم مع التحولات السورية شمالا وجنوبا.

اقرأ أيضا : حتى لا تعاد مأساة حلب .. التباكي على الغوطة بلا فائدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى