الرئيسيةيوميات مواطن

السوق لم يعد مكاناً آمناً.. الكثير من الأحلام تهدر هنا

عن حلم طفلة بكأس ذرة ساخن بالجبن.. لم يحضره بابا نويل القريب

كان يوماً مشمساً دافئاً، قررت خلاله التجول في السوق، بمحاولة للخروج من روتين حياتها اليومي، إلا أنها عادت محملة بمشاهد، بكاء أطفال، وتنهيدات أمهات، ما جعل قلبها قنبلة على وشك الانفجار، يبدو كل شيء هنا قابل للانفجار حتى القلوب.

سناك سوري-رهان حبيب

لم تكن “هيام” تتأثر يوماً بمثل هذه التفاصيل، على العكس كانت حين تجد متسولاً تستشيط غيظا، كما حدث حين كانت بالثانوية، ورأت متسولة مع طفلها الصغير دون ملابس تقيه برد الشتاء، فقالت لها بنبرة غاضبة، “لو كان ابنك لمزقتي ثوبك لتدفئته”، وتذكرت كيف أن المتسولة خافت وابتعدت هاربة.

لكن المشهد اختلف كلياً اليوم، فالسيدة الخمسينية رأت طفلة شقراء صغيرة تشبه نوعا ما “يارا الجدايلها شقر”، تبكي وتعاتب والدتها، أنها في كل مرة تمرّ دون أن تشتري لها من تلك العربة، مشيرة إلى عربة “ذرة” تبيع كؤوس ذرة مع الجبنة ثمن الواحد منها لا يقل عن 5000 ليرة، وتثق “هيام” أن الأم ربما لا تحمل ربع هذا المبلغ في حقيبتها، تماما كما لم تملك “هيام” أكثر منه في حقيبتها هي الأخرى.

تنهر الأم طفلتها بعدما نظرت إلى الحقيبة، وتمسك بيد صغيرتها وتغادر مسرعة، إلا أن الطفلة بقيت تشيح بنظرتها إلى الخلف باتجاه عربة الذرة، ولا تدري “هيام” كم من الزمن ستظل تلك الطفلة تحلم بكأس الذرة.

على مقربة من هذا المشهد، كان بابا نويل يحمل بالونات ملونة، وينقر جرسا يخبر الأطفال به، أن العيد قادم وهاهي أعياد الميلاد ورأس السنة تدق الأبواب، ليسأل طفل الأربع سنوات هل سنشتري هدية ويضحك الأب، ويقول” “المرة القادمة”، يقبله ويمضي فبين يديه كيس تظهر به علب الأدوية وعلبة حليب.

اقرأ أيضاً: قصة هيام صاحبة الممتلكات المهددة بالحرمان من الدعم الحكومي

هنا أيضا توقفت قليلا لتتذكر أنها في هذا الوقت من العام كانت تتقصد المرور في شارع أمية والبلدية وطريق قنوات في “السويداء”، لترى فرحة الأولاد وتختار بعض الهدايا لأطفال أقاربها، لكنها اليوم أيضا أجلت الشراء للمرة القادمة لأن مشترياتها تجاوزت الراتب، وقالت في نفسها: “الحمد لله ليس معي طفل يشتهي ويطلب ماترى عيناه” لأنها ستبكي أكثر منه.

لكن “هيام” لامت نفسها كيف تفكر بتلك الطريقة، وهي التي تجد أمتع لحظات حياتها بين أطفال العائلة، بين لعب وضحك فقد وضعت نفسها في موقع الأب والأم العاجزين، عن تلبية احتياجات بسيطة لطفل لم يكبر ليعرف ماذا ينتظره.

على مقربة من المدينة، ماكينة حليب وسحلب ومشروبات ساخنة كانت في كل مرة تقف بجانبها، تتجاذب أطراف الحديث مع طلاب صغار يشترون تضحك معهم وتسألهم النسكافيه طيب أو السحلب، هذا يخبرها أنه اشترى نسكافيه والثاني يوشوشها أن بوظة الصيف أطيب من كل ذلك، لكنها اليوم لم تجد هؤلاء الأطفال، ولم تتمكن من خلق ذلك الحوار الجميل، فأخذت طلبها وسارت علها تراضي نفسها وتعيد بعض الهدوء لروحها التي لم تعد تجد في الأسواق مايبهج.

بالمناسبة تخبرنا الدراسات العالمية، أن التسوق علاج نفسي سريع وجيد للنساء لكننا وفي هذه الأيام، أتصور أن الأسواق باتت مصدر للحزن والتنهد والشعور الدائم بالعجز عند النسبة الأغلب، من النساء والرجال كونهم يمرون به كمشاهدين يتحسرون على حلوى يحبها طفل، وحذاء جميل يحلمون بطفلهم يلبسه، وسندويشة ساخنة تفرح طفل انتظر طويلا ليخرج مع أهله ويفرح بدلالهم.

اقرأ أيضاً: محفظة هيام لم تسعفها للاحتفال باليوم العالمي للكتاب

زر الذهاب إلى الأعلى