الرئيسيةرأي وتحليل

التكنولوجيا وانتهاك الخصوصية .. من ميكروفون الخربة إلى فايسبوك – ناجي سعيد

فايسبوك ليس مخصصاً لعرض الإنجازات وإعلانات الأفراح والأحزان

عندما سمعت نُفّجة ما يُذاع في الميكروفون عن اجتماع لأهالي ضيعة الخربة، قالت: «نعمة هالمَكْرَفون، هوّي وقاعد بالبيت الواحد بيعرف شو عم بيصير برّا».

سناك سوري _ ناجي سعيد

فقال ابنها الدكتور عاطف: «ما التكنولوجيا شو عملت يا إمّي، خلّت العالم قرية صغيرة» ولم تكن “نُفّجة” أو زوجها “توفيق” ولا حتّى العمّ “بو نمر” أو أيّ أحد من أهل الخربة .يعي أن قضيّة الميكروفون تؤدّي إلى خلط العام بالخاص.

فالتكنولوجيا تهدف بشكل مباشر أو غير مباشر إلى طمس الخصوصية والمساحات الخاصة. وما أودّ لفت النظر إليه بشكل أساسي، يكمن في إساءة العالم -وتحديدًا العربي- فهم “مارك زوكربيرج” مبتكر “الفايسبوك”.

فقد قصد “زوكربيرغ” من هذا الابتكار إيجاد مساحة ليتبادل الطلابُ الدروسَ والمسائلَ العلمية. فالتطبيق “فايسبوك” هو مساحة عامة مشتركة بين الطلاب جميعًا. والمادّة المُتبَادلة، هي موضوع مشترك يعني كل المُشتركين في تطبيق الفايسبوك. لذا لا نجد خلطاً بين العام والخاص، كما لا يوجدّ تدخّل من أي مُشترِك من الطلاب المذكورين في خصوصيات الآخر.

وما حدث معي بدايةً، حين بدأتُ نشاطي الفايسبوكي، أن حادثني أحد أصدقائي، على الحائط العام لحسابي. بشكلٍ يُمكن لأيّ عابر سبيل أن يقرأ المحادثة “الخاصة”. فتصبح تلصّصًا مشروعًا. كمن يدخل ليستحمّ، تاركًا باب الحمّام مفتوحًا. ثمّ بدأ الاستعراض بعد ذلك. فمن يشتري قطعة ثيابٍ جديدة، تراه/ها ت/يرتدي الملابس الجديدة وت/يعرضها على الملأ. بهدف معرفة رأي الآخرين من خلال عدد “اللايكات” التي لم تحصر بوضع إشارة “الإبهام” المرفوع كعلامة إعجاب. بل يُضاف إليها:” رائع/ جميل/ خلّاب..ومصطلحات إضافيّة تفي بالغرض”.

اقرأ أيضاً:الشباب المندفع وتحذيرات من خطأين اثنين- ناجي سعيد

أنا شخصيًا أعتبر نفسي ناشط على الفايسبوك. وما أُظهره وأُعلنه على صفحتي هو: تعليقات تحاكي القضايا الاجتماعية العامة. وتطال التعليقات القضايا السياسية التي تهتم بالشأن العام. والطريقة التي أعتمدها في تعليقاتي غالبًا ما تكون ساخرة . تشابه رسوم الكاريكاتير، ولكن كلامًا وليس رسمًا.

وما يعنيني وأحرص عليه هو ومن منطلق أخلاقي، عدم الإساءة أو الإهانة لأحد. ولو شعر أحدُهم بالإهانة نتيجة نقدي لجهة سياسية -ليس بالشخصي طبعًا- فأنا لا أدخل في جدال إلّا توضيحًا لقصدي في حال عدم الفهم. وهذا الطريق الذي سلكه عامّة الناس، اعتبرته النخبة الواعية المُثقّفة جواز عبور للخطأ السائد في طريقة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتحديدًا الفايسبوك والتويتر.

ولو قررت الذهاب في جولة على “التويتر ” فإنك بالطبع تأخذ فكرة كافية وافية عن الابتذال والانحطاط. الذي أدركه السياسيون في “جدالهم” السياسي. لا بل أصبح التويتر منصّة لإطلاق السهام والرِماح القاتلة -معنويًا- على أي خصم سياسي لا يعجبنا: خطّه السياسي، فيُشهَّر به على المستوى الشخصي!

وتعود المشكلة في سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعية، إلى عادة الناس ببعدهم عن القراءة. ولا أقصد قراءة الكُتُب القيّمة، بل عادة القراءة، فقليلون من يقرأ “الكتالوج” لأي قطعة كهربائية يشتريها قبل تشغيلها! يتعرّف عليها بتقليد الآخرين.

كما التي كانت تقطع رأس السمكة قبل الطهي، وأورثت ابنتها العادة، وحين سألت الحفيدة الجدّة، قالت لها بأنها لم تكن تملك مقلاة تتّسع السمكة كاملة. وهذا تمامًا ما يحدث، عند استخدام وسائل التواصل الاجتماعية. لا بدّ من قراءة الأهداف لمعرفة كيفية استخدامها. فلا يجوز وضع صورة لابني أو ابنتي في حفلِ تخرّجها من المدرسة. فهذه قضية خاصّة بي وبعائلتي، ولا فائدة من وضعها أمام الملايين الذين يستخدمون الفايسبوك مثلًا. وما عرفته بالأمس أنّ ميزةً أُضيفت إلى الفايسبوك، وبرأيي تدحض التدخّل في الخصوصيّات. فحين يدخل أحد ليتصفّح حساب أحدًا على الفايسبوك، يقترح عليه هذا التطبيق طلب صداقة الشخص الذي تزور صفحته.

اقرأ أيضاً:استعراض الواجب الديني _ ناجي سعيد

لقد رافقت صحافيين أجانب زاروا الجنوب اللبناني بعد حرب تموز ٢٠٠٦. وفي مقابلات لأهالي المنطقة كان يستأذن الصحافي الأهالي لو أراد التقاط الصور. وفي حال رفضهم، بالطبع يمتنع لعدم انتهاك الخصوصية. وهذا من أخلاقيّات الصحافة.

ومن ناحية أخرى فإن التكنولوجيا تؤثّر على هويّة الإنسان، فأصبح مُتداولًا من قبل بعض الأصدقاء الفنّانين، أن يعرضوا أعمالهم الفنّية على صفحاتهم في الفايسبوك وبالطبع إنّ المعرض هو مساحة عامة، حتّى لو كان في العالم الافتراضي. وما ينقص هذا المعرض “الافتراضي” هو النقاش الثقافي بين الرسّام والزائرين. وهذا ما يؤكّد بأنّ وسيلة التواصل الاجتماعي تلغي مساحة الحوار الثقافي. الذي يُفضي إلى تبادل خبرات تعلّمية في مجال الفن على حساب التبريكات والتهنئة الشخصية من قبل أقارب وأصدقاء الفنّان على الفايسبوك. وهذا ما يستبدل المساحة العامة -والتي من المُفترض بأن تعود بالنفع على الآخرين- بمساحة خاصة يتبادل فيها الأقارب مشاعرَ خاصة بهم دون غيرهم. حتّى لو تشابهت مع كثيرين.

فأنا أنزعج تمامًا من الذين يحوّلون حسابهم على الفايسبوك إلى لوحة إعلانات للأفراح والأحزان..وتحديدًا حائط للنعوة. ولو تكلّمت عن الصورة، لاستعرت مقولة ألبير كامو عن الصحافة: “الصحافي هو مؤرّخ اللحظة”. والمصوّر كذلك، قد يكون مؤرّخاً، لكن أي لحظة؟ خاصّة؟ أم عامّة؟ إذا التقط المُصوّر أي صورة خارج السياق اللحظوي لحدثٍ ما، فهو حتمًا سينتهك خصوصيّة الذين صوّرهم اذا ما كان اجتماعهم خاص.

والتعقيد الذي أنتجته التكنولوجيا يكمن في تشكيل الهويّة، فاستعراض النجاحات والانجازات أصبحت ملك العامّة على صفحات التواصل الاجتماعي، ولم تعد مرتبطة بجهد الشخص الذي يُشكّل هويته ويبنيها، لحاجته للتقدير.

اقرأ أيضاً:إن كبر ابنك لا تخاويه جرب أن تُصادقه – ناجي سعيد

كنت موهوبًا في صِغري بالرسم والأشغال اليدويّة، وكم كنت أشعر بالفرح وافتخر حين يعرض أهلي إنجازاتي على من يزورنا من الجيران. لكنّ هذه الحاجة لم تستمرّ معي، فحين حققت حاجتي بدراسة الفنون، لم أعد بحاجة لعرض إنجازاتي للحصول على التقدير، فالتقدير هو حاجة خاصة بي. وليس من الضرورة عرضها واستعراضها للعامّة. أنا لا أعرض صُوري وأحشر الناس بخصوصيّتي، ولكنّ لم اتأخّر عن وضع صورة “سيلفي” مع ابنتي حين تخرّجت من الشهادة المتوسطة. فقط كي أمارس مهارتي في اللعب على الكلام، فقد رافقت الصورة التعليق: ” خيرُ سيلفي لخير خلفي”!! وهذا يخلو من نغمة “تربيح الجْميلة”: .”لقد أنجبتك وربّيتك وتعبت وسهرت…ثمّ كنتَ مثالًا يرفع رأس العائلة”.

وعتبي على انتهاك خصوصيات الابن/ة بعرض صوره/ها، بأن يُجبر الأبناء على ردّ جميل، وكأن إنجاب الطفل والتربية كان أمرًا مُلزِمًا على الزوجين! قرار الحُبّ والإنجاب، كان بخيار الزوجين، وبالتالي ليس مُجبرًا الابن/ة أن يردّ الجميل، فتكوين العائلة خيار راشد وعقلاني، وليس عقدًا تجاريًا يلزم طرفًا العطاء والسيطرة على الموظّف/ة (الابن/ة)!

فالتربية من واجب الأهل، ومن الضروري وجود الوعي التربوي لعدم انتهاك خصوصيات الأبناء، فاتّخاذ الصور للأبناء هو من شأنهم، لا يمكن للأهل اتّخاذ القرار عنهم. فكيف عرضها على مساحة عامّة؟ وسأختم بفكرة معروفة تحدثُ في البلدان كافّةً، وهي الكتابة على الجدران. التي غالبًا ما تنفذها فئة مُعترضة، مقموعة وممنوعة من التعبير. فيستخدمون البخّاخ ليلًا مع قناع يخفي هويّتهم الحقيقية، الفايسبوك هو جدار ليلي ولكن بدون أقنعة، القناع تحوّل إلى موضى استعراض المشاعر على الملأ.

اقرأ أيضاً:الدكتور عاطف.. العنف في اختيار مستقبل الأبناء _ ناجي سعيد

زر الذهاب إلى الأعلى