الرئيسيةرأي وتحليل

التفاصيل الخفية لواقعة قتل أفعى – أيهم محمود

الكاتب: معظم قتلة الحياة مثلي يبحثون عن أمرٍ عظيمٍ يحتمون به من مسؤولية أفعالهم

قتلتُ أفعى صغيرة الحجم نسبياً خلال زيارتي الأخيرة لبستاني في القرية، قد تبدو هذه الواقعة للكثيرين أمراً صغيراً لا يستحق الذكر، سوف يؤيد هذا الرأي معظم البشر لذلك مسؤوليتي الرئيسية هنا في هذه السطور القليلة: أن أُثبت العكس.

سناك سوري-أيهم محمود

تبدأ الحكاية من نداء زوجتي لي، أفعى في الغرفة الصغيرة، نظرتُ جيداً إلى الطاولة حتى رأيت رأسها، أفعى رمادية بطول ستين سم تقريباً مع طوق أسود تحت الرأس تبدو جميلة ولا تستحق القتل، لم تعد فكرة قتل أنواع الحياة الأخرى سهلةً بالنسبة لي مع تقدمي في العمر وتقدم وعيي، أحاول تجنب قتل بقية الأحياء إلا في حالة الضرورة القصوى، فكرتُ في إخراجها من هنا لكني لا أملك الأدوات المناسبة لفعل ذلك، علي أن أتخذ قراراً سريعاً، لا أملك وقتاً طويلاً أستطيع استثماره في التفكير الفلسفي والعلمي للوصول إلى نتيجة مُرْضِية في هذه الحالة.

الأفعى قد تهرب وتختبئ بين محتويات الغرفة مما يعقد مسألة قتلها أو إخراجها، الأمر الآخر الذي يستحق الذكر هو مسألة ضرورة خروجي من البستان الآن والتوجه نحو القرية، هناك أزمة وقود وإن لم أصل في توقيت محدد ربما سأنتظر طويلاً حتى توفر وسيلة نقل، لم أحاول أن أُحَمِّل الأزمة الحالية مسؤولية موت هذه الأفعى، في النهاية قرار قتلها سيكون لاحقاً قراري الشخصي وحدي، لن أحمّل الحكومة وتأخر إمدادات الوقود المسؤولية، ولن أحمّل العقوبات المفروضة على بلدنا مسؤولية هذا القرار أيضاً.

وقفت الأفعى ساكنةً أمامي تنظر إلي، ربما لا تعلم أني أفكر بقتلها، حاولت استرجاع معلوماتي التي قرأتها كلها في الانترنت، هل هذه الأفعى سامة؟ أم هي من الأنواع غير الخطرة التي تفيد المزارع مثل الحنش الأسود غير السام الذي يقتل الفئران ويقتل أيضا الأفاعي السامة لذلك يصفه الخبراء بأنه صديق الفلاح، حاولت أن لا أكون جاهلاً مثل أولئك الذي يقتلون الحنش الأسود دون أن يعلموا أنه صديقٌ يحميهم، الجهل كارثة حتى لو كنت تملك شهادة جامعية مثلي.

اقرأ أيضاً: الأفاعي السورية صديقة الإنسان.. إليكم مجموعة معلومات مغلوطة عنها

لم يُعلّمنا أحد عن حيوانات بيئتنا المحلية، ماذا لو اختصرنا نصف المقررات التي تعلمناها في المدارس والجامعات التي تتحدث عن نظريات البشر وآرائهم الدينية والسياسية لندرس بدلاً منها حيوانات وطيور وزواحف ونباتات وحشرات منطقتنا التي نحيا فيها، سيكون هذا القرار حتماً في اتجاه تخفيف التوترات بين البشر، والأهم منه، هو تعرّف البشر على بيئتهم المفيدة المحيطة بهم، لا يمكن التعرّف على أنواع الحياة المحيطة بنا من خلال بضع صور في الإنترنت، ها أنا أحاول إلقاء مسؤولية تفكيري في القتل على المنظومة التعليمية والاجتماعية، معظم قتلة الحياة مثلي، يبحثون عن أمرٍ عظيمٍ يحتمون به من مسؤولية أفعالهم، أو يُحَمِّلون هذه المسؤولية للآخرين، ضميري لا يسمح لي بأن أفعل مثلهم، الأفعى الجميلة مازالت ساكنةً أمامي، الوقت يمر سريعاً ويجب أن اتخذ قراري وحدي.

تُصرُّ زوجتي على قتلها، هذه أفعى سامة، أعود في ذاكرتي إلى الأساطير القديمة وأختار واحدةً منها تقول أن الأفعى تكره الأنثى لأنها تحضُّ دائماً على قتلها بفعل الخوف منها، هل عليّ تحميل زوجتي مسؤولية فعل قتلها لأبرأ نفسي من هذا القرار؟ معظم الذكور في آخر خمسة آلاف عام فعلوا ذلك، يُحُمِّلون المرأة مسؤولية الكثير من الآثام الكبرى في ثقافتهم وفي تاريخهم، لماذا لا أفعل مثلهم؟ أطرد هذه الفكرة سريعاً من رأسي، وأعود إلى تحميل نفسي مسؤولية القرار، زوجتي مثلي تنقصها المعلومات المؤكدة، درسنا سويةً ثقافة مجتمعنا وكتبه في المدرسة، قرأنا كثيراً عن نظريات الاشتراكية والرأسمالية والقومية وغيرها لكنها لم تُفدنا في مواجهة كائنٍ حي هو ابن بيئتنا، بل ابن بستاننا، يعيش معنا، لكننا جهلة لا نعلم عنه شيئاً.

قد تكون سامة فعلاً، قد لا يتوفر المصل، وقد تكون خطيرة، ربما لن يقتلني سُمها لكنه سيزعجني بضعة أيام، ها أنا قد قررت قتلها دون أن أشعر بذلك، وقد فعلت ذلك فعلاً، بطنها أبيض مصفر، سأحفظ هذه المعلومة لأني سأبحث لاحقاً في الإنترنت عن تصنيفها لأبرر قتلي لها، أو لأبرر الندم الذي أثقل صدري وأنا أجرّها من الغرفة لرميها خارجاً، هل فعلت هذه الأفعى حقاً ما يستحق القتل؟ كانت تنظر إلي، ربما اعتقدت أنها تستطيع بناء صداقةٍ معي بما أني جارها في البستان، وجارها في الحياة، نملك أنا وهي ذات الروح، وذات المدة القصيرة المحدودة لنتعارف مع بعضنا البعض، تلك الفرصة التي أعدمتها بحدث قتلي لها.

لم يتوقف عقلي المراوغ من محاولات التنصل من مسؤولية فعل القتل، هل الأنياب السامة حَمَت الأفاعي حقاً؟ لو لم يكن لها أنياب سامة لحملتها بيدي وألقيتها خارج الغرفة، لم أقتل سحليةً من قبل بل كنت أدفعها خارج المكان وينتهي الأمر، يحملُ الجسد الصغير للأفعى قوةً خَطِرة لا تتناسب مع حجمه، بعضها قادر على قتل إنسان خلال بضع ساعات رغم فارق القوة بين جسده وجسدها.

أوسِّعُ السؤال قليلاً، هل تحمي الأسلحة النووية الدول؟ ربما الحكاية منذ بدايتها لم تكن قصة أفعى مع أنها تستحق الذكر حقاً، وتستحق أن يتم استبدال بعض المقررات المدرسية بمقررات أخرى تتحدث عن الحياة النباتية والحيوانية الموجودة في بيئتنا المحيطة بنا لكي نتصالح مع حدث وجودها معنا، أما إن كنا فعلاً أصحاب ضمير، لكي يتصالحوا هم مع حدث وجودنا إلى جانبهم، فالكثير من الحشرات والنباتات والحيوانات هم أقدم من الإنسان في سلم التطور، نحن المستجدون في بيئتهم، ونحن الذين لم نفهم قوانين الحياة المشتركة بعد.

اقرأ أيضاً: رأس المواطن العادي يتعرض للقصف المركز في شهر نيسان – أيهم محمود

 

زر الذهاب إلى الأعلى