الاستقالة من العبودية في العالم الموازي – أيهم محمود
من جاع سيقوم بتخريب عمله نتيجة لانشغال عقله بثقل وضعه الإنساني
في كوكبٍ مظلم جداً يقع في أعماق الفضاء السحيقة عبودية من نوع خاص، عبوديةٌ لا تشبه تلك التي نعرفها في كوكب الأرض. فعبودية كوكب الأرض تطلبت قديماً العنف لأسر البشر وتحويلهم إلى عبيد، العبودية التي تعني العمل باستمرار دون حق التحرر منه ودون حق الحصول على أجرٍ عادل مقابل العمل. ما يحصل عليه العبد هو الطعام فقط من أجل استمراره في العمل.
سناك سوري-أيهم محمود
انتهت العبودية جزئياً في كثير من دول الأرض، مُنح عبيد الأمس حق الاستقالة من عملهم حتى لو تعرض قسم منهم للتضييق. عبر رفض جهات أخرى التعاقد معهم تضامناً مع الجهة التي استقالوا منها. لكن العالم واسع ومتنوع وإن كانت لدى العامل مهارات جيدة سيستطيع إيجاد عملٍ آخر يناسبه.
كوكبنا المظلم الذي نتحدث عنه لا يعتمد أحد الصيغتين في العمل، العبودية الحقيقية المباشرة، أو حرية العامل في الاستقالة إن لم يناسبه العمل. بل يعتمد على مسخٍ عجيب منهما معاً، فالعمل في هذا الكوكب حرية الفرد الشخصية، يستطيع الإنسان في هذا الكوكب العجيب. توقيع عقد عمل دائم مع بعض الجهات بحرية تامة وبعلاقة تعاقد متوازنة بين طرفين، لكنه لا يستطيع الاستقالة. في حال عدم رغبته في الاستمرار بهذا التعاقد الحر بين طرفين، ولا يستطيع الاستقالة في حال قرر صاحب العمل تخفيض راتبه. إلى العشر أو حتى أقل من ذلك بكثير بحيث لا تكفي قيمة راتبه حتى أبسط الطعام.
اقرأ أيضاً: نعيش أزمة رهائن – أيهم محمود
إن أراد إطعام أطفاله فعليه أن يسرق أو يرتشي مغامراً بدخول السجن ومغامراً بسمعته وتاريخه وكرامته. وإن أراد الاستقالة ومحاولة البحث عن عمل آخر يحق لصاحب العمل رفض الاستقالة. وإدخاله السجن لعدة سنوات في حال غادر العمل دون إرادة مالكه في العبودية الفريدة التي نتحدث عنها. هو حرٌ وإنسان تام فقط أثناء عملية توقيع عقد العمل، لكنه عبدٌ إن حاول مغادرته.
لا يتعلق الأمر في هذا الكوكب بالسياسة ونظام الحكم القائم فيه بل هو أخطر من السياسة بكثير، هو استعداد مجتمع هذا الكوكب. لقبول فكرة الاستعباد والعبودية، عندما يضع مجتمعٌ ما بعض القوانين التي تبدو ظاهرياً جميلة علينا تحليلها بدقة لرؤية الجوانب الخفية منها. ما يبدو للآخرين تمسكاً بالعامل واحتراماً له هو في الواقع عبودية حقيقية بكل معنى الكلمة، لأنها تتضمن سلب هويته الذاتية. وحقه في اتخاذ قرارٍ مستقل يتحمل وحده نتائجه.
العمال في هذا الكوكب متوفرون بكثرة، نسبة البطالة فيه هائلة، مما ينفي مسألة عدم وجود بديلٍ عن العامل في سوق العمل. إذا هو استعداد أصحاب العمل لممارسة دور السيد في نظام الرق، السيد الذي ليست لديه منظومة تأهيل مرنة للعمال الجدد. ولا يهمه استمرار وجود شركته في سوق العمل في حال جاع عماله وساءت نوعية عملهم، فمن جاع لن يستطيع. بالتأكيد الحفاظ على مستوى عمله الجيد، إن لم نعترف أنه سيقوم تلقائياً بتخريبه نتيجة إحساسه بالظلم، أو نتيجةً لانشغال عقله بثقل وضعه الإنساني.
مشكلة هذا الكوكب في ثقافته المتعالية التي تظن أنها مختلفة عن ثقافات الكواكب الأخرى، مشكلتهم أنهم لا يعترفون بأمراضهم المزمنة تمهيداً لعلاجها. تُرعبهم كلمة حرّية حتى لو كانت حرية الاستقالة من عمل، فإن كانت النار نصيب إمرأة ربطت هرة ولم تطعمها. ولم تتركها أيضاً تصطاد من الأرض لتطعم نفسها، فما هو شكل الجحيم الذي ينتظر مجتمع هذا الكوكب. الذي يقبل بمصير هذه القطة قانونياً، ولا فرق بين الذي قبل القانون ضحيةً أو سيداً فقبول كليهما له ثقافةٌ قاتلة ومريضة. لأنهما معاً قبِلا فكرة الاستعباد دون إدراك منهما لأثارها المدمرة البعيدة.