الرئيسيةيوميات مواطن

هل سمعتم بالقراطيس؟ … نحن عرفناها!

سناك سوري-شادي بكر

ليس أمراً سهلاً أن تعلم بأن جارك يبيت جائعاً مع أطفاله، ليس سهلاً أن تدرك أن غالبية جيرانك يعيشون هذا الواقع يومياً، والأصعب من كل ذلك أنك لا تملك من أمرك شيئاً، فالطعام القليل في منزلك لن يكفي أطفالك وربما يبيتون يوم غد جياع، ما يبعد عنك شبح التفكير في وهب جارك القليل من الطعام، لكنك سرعان ما ترضخ وتعطي بعض القليل الذي لديك، إنها الحرب اللعينة تحاول أن تفتك بإنسانيتك وروحك ليموت كل الجمال الذي كان سائداً في زمن غابر انقضى.

وأنا أعيش تلك الهواجس، وبينما يخبو صوت الحرب قليلاً في “حوران” وجدت متسعاً من الهدوء لأغفو قليلاً في حضن الذاكرة، الذاكرة التي أخذتني إلى زمن “القراطيس” تلك الأكياس الورقية المعبئة بالحب والأرز والسكر والاهتمام والشاي والقهوة، حيث اعتدنا في حوران أن “نحمل القراطيس” في الأفراح والأتراح، كرسالة محبة تعبر عن أهل الجود والكرم الذين يغيثون الملهوف ويساعدون المحتاج، نحن الحورانيين أهل النخوة.

ما زلت أذكر جدتي وأمي وجاراتهن يحملن “القراطيس” وقت الأفراح، فالفرح سيلزمه الكثير من الأرز للطبخ والإطعام، حيث كان الطعام وفيراً يفيض حتى عن حيواناتنا، اليوم نبيت وفي أعيننا دمعة لن تشبع بطون أطفالنا الصغيرة، لقد أخذت الحرب تلك “القراطيس” لم يعد هناك ما يكفي أحداً، حتى في الأحزان كانت القراطيس حاضرة تمتلأ بالسكر والشاي والقهوة، اليوم يمتلأ الحزن بنا وتغيب “القراطيس” عنا، أي قدر عبثي هذا الذي يواجهنا.

نجول اليوم بعد أن استحالت قلوبنا “قراطيساً” معبئة بالألم والحزن والموت، وحدها الذاكرة تسعفنا بقليل من الأمل، حتى الحرب فشلت في سلب هذا الأمل، هذا الأمل الذي… وبينما أنا أفكر صاح طفلي في فراشه، ركضت إليه مسرعاً أشار بيده إلى الشباك.. إنه خائف من أمر ما.. احتضنته واحتضنت معه ذكرى القراطيس ثم أعتقد أني غفوت حالماً بغد جميل قادم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى