نسرين التي خسرت وظيفتها بانتظار أسطوانة غاز وأياماً أفضل
تزداد الضغوط المعيشية على النساء بعد سنوات طويلة من الحرب والفقر

مثل كثير من العوائل السورية الأخرى، لم تستطع عائلة “نسرين” 42 عاماً شراء أسطوانة الغاز بالسعر الجديد في سوريا، لتتخلى نهائياً عن الغاز وتلجأ لاستخدام بابور الكاز، الذي ترك آثاراً عميقة على يديها وسواداً يشبه سواد أيامها الحالية كما تصفه.
سناك سوري-داليا عبد الكريم
تقول “نسرين” التي تعيش في ريف اللاذقية، لـ”سناك سوري”، إن رسالة الأسطوانة وصلت إليهم شهر كانون الأول الفائت، وكان سعرها وقتها 230 ألف ليرة، لذا لم تتمكن من الحصول عليها، فهي تعمل بنظام المياومة في مؤسسة الريجة، وقد توقف راتبها مع توقف عمل المؤسسة أسوة بالعديد من القطاعات الحكومية بعد سقوط النظام نهاية العام الفائت.

كما أن زوجها الذي يعمل في السكك الحديدية لم يحصل على راتبه بعد، رغم أن اسمه لم يرد في قوائم الإجازات القسرية التي فرضتها حكومة تسيير الأعمال على قسم كبير من موظفي القطاع العام، ولديها ابنان أحدهما قرر ترك دراسته هذا العام في معهد الميكانيك، ليعمل في أحد محال تصليح الآليات بأجرة يومية لا تتجاوز 30 ألف ليرة، والآخر لا يدرس ويعمل ذات العمل وبنفس الأجرة.
60 ألف ليرة يومياً بالكاد تكفي العائلة ثمن طعام عبارة عن بيض وخضراوات وخبز، ولا سبيل أبداً للتوفير منه لشراء أسطوانة الغاز. تقول السيدة وتضيف أنها فكرت بإعادة طلب الرسالة بعد تخفيض سعر الأسطوانة إلى 175 ألف ليرة، لكن المعتمد أخبرها بأنه اشتراها حين كان سعرها 230 ألف ليرة ولن يبيعها لها بأقل من ذلك.
تقول “نسرين” إنها خسرت شعورها بالاستقلالية المالية منذ خسرت عملها وراتبها، وتحوّلت إلى ربة منزل تنتظر بعض النقود من أبنائها، وتقاسي كثيراً في التعامل مع بابور الكاز لإعداد الطعام عليه، والذي تحتاج عناءً كبيراً لتشغيله في كل مرّة تحتاجه بها، كما أنها ومنذ توقف راتبها لا تتذكر أنها حصلت على رصيد في جوالها، وحين تريد الاطمئنان على أهلها تلجأ إلى استعارة موبايل إحدى الجارات أو انتظار أبنائها.
وارتفع سعر أسطوانة الغاز من 23 إلى 225 ألف ليرة، قبل أن يهبط إلى 175 ألف ليرة، بعد اتخاذ قرار برفع الدعم عن المحروقات بشكل كامل، وعن الخبز بشكل جزئي كخطوة أولى للتوجه إلى اقتصاد السوق الحرة، دون أن يترافق هذا الإجراء مع أي زيادة على الرواتب، بينما لم يستطع كثر الحصول على رواتبهم هذا الشهر على الرغم من قرب انتهائه.
سنتين من العمل والاستقلالية المادية
قبل نحو العامين ظفرت السيدة بعمل وفق نظام المياومة بمؤسسة الريجة، وعلى الرغم من العمل المجهد وطول ساعاته التي تمتد يومياً لسبع ساعات على الأقل، إلا أنها كانت سعيدة جداً بالـ280 ألف ليرة المبلغ الذي تحصل عليه شهرياً.
وقد لحق بها ظلم كبير، فكل يوم إجازة كان يقتطع من راتبها مبلغ لا تعرف مقداره وهو متبدل شهرياً وفق مزاج معتمد الرواتب على حد تعبيرها، “نسرين” التي كانت مضطرة للعمل والدوام حتى حين تكون مصابة بنزلة برد كي لا تخسر أي مبلغ مالي من راتبها، وجدت نفسها فجأة بلا عمل ولا الراتب القليل.
مابعرف شو مصيرنا نحن عاملات الريجة المياومات، هل رح نرجع؟ هل رح يفصلونا؟ مافي شغل، وهون أن عايشة بضيعة مافيها ناس مقتدرين لحتى اشتغل عندن بالبيوت نسرين – عاملة بمؤسسة الريجة
الأمر السابق شكّل لها معضلة حقيقية، وبعد أن حظيت بقليل من الحرية المالية للدرجة التي تسمح لها بشراء بسكوتة تشتهيها مثلاً، اليوم لا تجد حتى ثمن أسطوانة غاز في جيبها، وبالكاد تمكن ابنها مؤخراً من توفير مبلغ 35 ألف ليرة، عبأ به كيلو من الغاز في الغاز السفري، كانت فرحة الأم عظيمة، لكنها لم تكتمل مرة أخرى، فعدة أيام قليلة وانتهى الغاز وعادت إلى البابور تدق فيه بحزم عساه يعمل بسرعة ويريحها من استمرار الدق على سيخ تشغيله.
“مابعرف شو مصيرنا نحن عاملات الريجة المياومات، هل رح نرجع؟ هل رح يفصلونا؟ مافي شغل، وهون أن عايشة بضيعة مافيها ناس مقتدرين لحتى اشتغل عندن بالبيوت”، تختم “نسرين” حديثها وتنصرف للدق على سيخ بابور الكاز عنوان حياتها الحالية بانتظار أسطوانة الغاز وأياماً أفضل تعيشها.
وتعتبر النساء في سوريا من الفئات الهشة التي أحدثت سنوات الحرب شروخاً كبيرة في حياتهنّ، وحملتهنّ أعباء إضافية، وجعلتهنّ ينشغلن بلقمة العيش على حساب أحلامهنّ وطموحاتهنّ.