الرئيسيةيوميات مواطن

لم يعودوا يطلبون نقوداً.. باتوا يتسولون طعاماً

متى نمتلك عملاً تطوعياً حقيقياً عوضاً عن "تصوير صورتين ونشرهم عالفيس وخالصين"؟

دخل محل الحلويات بثيابه الرثة وبيده عدة علب فارغة من الدواء. كنت أراقبه بينما غصصت بلقمتي للدرجة التي لم أعد قادرة فيها على ابتلاع المزيد. بينما تسمّر ينظر نحو طبق الكنافة بعينين تملؤهما الرغبة، ودون أن يكترث به أحد، لا البائع نهره، ولا هو تقدّم من الزبائن يطلب منهم النقود.

سناك سوري-قهر زايد

شعرت وكأننا جميعاً خجلون من نظراته، حتى البائع الذي لم يبادر لا لنهره ولا لإطعامه، حتى تقدّمت إحداهنّ وطلب له صحن “كنافة”. جلس ليأكله بينما يخبر الجميع أنه “والله ما ذاق الطعام منذ يومين”.

تركتُ المشهد ومضيت بحال سبيلي، بينما أتذكر مشهداً مشابهاً صادفني بذات الليلة “المشؤومة”. حيث كنتُ أهمّ بأخذ “سندويشة بطاطا” من أحد محال الوجبات السريعة. لأرى طفلاً ينظر من خلف الزجاج للناس التي تأكل داخل المحل بنهم شديد غير مكترثة.

لا ألوم أحداً، ربما لا يستطيعون، ربما القدر السيء جعلنا بعيدين عن كل شيء حتى إنسانيتنا. نجح الطفل الصغير بالحصول على سندويشة شاورما من ذات المحل كهدية من سيدة. سألته “جوعان؟”، ليجيبها بالإيجاب ويأخذ سندويشته التي أمسكها بيد وبيده الأخرى يحمل باقات الورد التي يبيعها.

لم يعودوا يطلبون المال، تحوّل الأمر إلى تسوّل الطعام في بلاد القمح والخير و”الكرم”. لا حجة لمسؤول اليوم يخرج ويخبرنا أن الأطفال في الشوارع بمعظمهم يمتهنون التسول. ويشغلهم أشخاص آخرون، رغم يقيني أنه حتى في هذه الحالة فالمسؤولون يلامون كذلك القوانين والمجتمع “الصامت”. على مبدأ “مادخلنا وماننا أكرم من الله”.

لدى بائع الحلويات كان هناك صحن مليء بأطراف “الكنافة” تلك التي لا تباع عادة. لفت نظري بينما كان الرجل ينظر إلى الطعام داخل المحل. خطر في بالي، لماذا لا يقوم صاحب المحل بإطعام تلك البقايا للمحتاجين عوضاً من تركهم ينظرون بجوع كبير.

وداخل محل الوجبات السريعة، كان هناك الكثير من الطعام الفائض في بعض الأطباق أمام الزبائن الذين انتهوا منها. فلماذا لا يتم تقديم صحن فارغ مع كل وجبة بحيث يأكل الزبون منه. ويترك البقايا دون أن يمد يده عليها لصالح أحد الأطفال المشردين.

تعرّفت مؤخراً بشكل معمق على مصطلح “الاستدامة” و”بنوك الطعام” المنتشرة بشكل كبير في دول الخليج ومصر. والتي تعني حصول تلك البنوك على فائض المطاعم والمتبرعين من الطعام ثم توزيعها على المحتاجين. لتعزيز أهداف الاستدامة والحفاظ على الموارد.

فماذا نحتاج لنطلق هذه الفكرة، في ظل الأوضاع المعيشية الحالية في سوريا وكيف يمكن أن نحوّل العمل التطوعي في بلادنا ليصبح مسؤولاً حقاً وليس مجرد عمل عابر ينتهي بمجرد “أخذ صورتين ونشرهم على فيسبوك”.

زر الذهاب إلى الأعلى