في الغربة أشعر أني إنسان آخر.. إنسان أكثر
نحن نعيش خارج الزمن من لم يغادر لن يفهم أبدا هذا الشعور

عندما ارتفعت الطائرة محلقة ومبتعدة عن مطار دمشق الدولي الذي سيعطل بعد أيام إثر عدوان إسرائيلي شهر أيار الفائت، شاهدت للمرة الأولى سوريا من الأعلى كانت تبدو أكثر جمالاً وأكثر هدوءً وكأن جميع الأزمات بدأت تصغر والطائرة ترتفع إلا أن هاتفي النقال المهترئ لم يسعفنِ لتخليد المشهد.
سناك سوري – مغترب جديد
ظننت أنني قادر مثلما فعل صديق يوما قبل سنوات وهو يعبر البحر نحو أوروبا أن يصرخ بأعلى صوته مطلقا الشتائم لكل الوجع الذي لاقاه حيث نشأ لكني لم أقوَ على الشتم اجتاحتني مشاعر غريبة ومتضاربة امتلأت عيناي بالدموع لا أعلم لماذا، أهو ألم الفراق أم الخوف من القادم شعرت للحظات أنني تورطت والأن يجب أن أكون هناك في الأسفل فأنا لدي حياة وعمل وأهل رغم كل الضائقات الاقتصادية والسياسية وعدم توفر الكهرباء والماء وأبسط مقومات الحياة إلا أني أملك شيء هناك والآن ذاهب نحو المجهول نحو اللا شيء.
مع هبوط الطائرة صباحاً في مطار الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة بدأت مرحلة الانبهار، فلم أكن أعلم أن هناك واي فاي مجاني هل يحدث هذا حقا! كذلك البوابة الذكية، معاملة موظفي المطار الجيدة للمسافرين كانت تلك إشارات تبعث بالراحة أني اخترت الخيار الصحيح.
اقرأ أيضا سوريون يحتفلون بالكهرباء ودعوات للمغتربين: ارجعوا
بعد أسابيع من قدومي وتجولي بين الشارقة ودبي وعجمان والالتقاء مع العديد من الأصدقاء الذين سبقوني لم يكن ما لفت انتباهي أن البلد تغص بالسوريين ولا حتى الأبراج التي تعانق السحب، إنما أننا في سوريا نعيش خارج الزمن والجغرافيا فأبسط الأشياء كانت تبهرني فعدم انقطاع التيار الكهربائي معجزة كذلك سرعة الإنترنت.
تعامل شركات التكنولوجيا الكبرى يختلف عن سوريا من حيث التواصل مع الدعم الفني بشكل مباشر إن كان من حيث الإتصال أو Live Chat وكذلك الإتصال بميكروسوفت وغوغل وفيسبوك الذي ساعدني في حل بعض المشكلات خلال 24 ساعة بينما في سوريا قد يمتد الأمر لأشهر.
شردت بأفكاري لو كنت في سوريا وتوفرت لدي هاتين النعمتين فقط لكنت أنجزت بإبداع الكثير من المهام المتعلقة بالبرمجة أو في مجال عملي السابق بالإعلام لكنني الأن على أرض أخرى بدأت العمل فيها تحت ضغط كبير يأخذ من وقتي الكثير لكني سعيد، أشعر أني إنسان!.
رغم الغرق في الحياة العملية لدي مساحة من الرفاهية لم أعرفها من قبل كنت سابقاً أستغرب من أصدقائي خارج سوريا وهم يتحدثون عن الأفلام والمسلسلات والأغاني “ما أفضى بالهم”، لكني الأن بت أفهم ماذا يعني أن تشترك في منصة ما وتنهي مسلسل في يومين على شاشة كبيرة وليس على جهاز موبايل وألا تخاف من نفاذ الشحن بأي لحظة.
وأنا بعيد في مدينة تمطر عليها النعم أشعر أني شخص أخر لا يشبه تلك النسخة المتعبة في الوطن التي أنهكتها الحرب وتقاسمتها الأزمات كنت طالباً جامعياً يدرس على ضوء الشمعة وتحت صوت القذائف وعندما استقرت الأوضاع نسبيا ضعت بين دوري في طابوري الغاز والخبز، كان العمل يزيد والعملة تقل والغلاء لا يرحم، وتسألون بعد ذلك لماذا أشعر أني إنسان آخر؟ إنسان أكثر.
عندما أنظر إلى الأخبار حول سوريا وأستمع إلى أحاديث الأهل والأصدقاء في الداخل أشعر وكأني انفصلت عن ذلك الواقع وكأن الذاكرة أسقطت وغيبت الكثير من الأمور أحقا هكذا كنت أعيش؟ أعتقد أن من لم يغادر لن يفهم أبداً هذا الشعور.
اقرأ أيضاً أهديته سلة غذائية بدلاً من الكاتو في عيد ميلاده