نظرت إلى “بنطلون الجينز” الخاص بي نظرة خذلان كبيرة. اعتذرت منه وطلبت الغفران. لن أستطيع أن أفي بوعدي له هذا الشهر أيضاً. بدأت حكايتي معه قبل 3 أشهر حين بدأت علائم الإهتراء تظهر عليه وأنا أحاول بحنكتي أن أداريها. إلا أن انفجر في وجهي متذمراً. هو أيضاً يريد أن يرتاح ويتقاعد من الحياة.
سناك سوري – رحاب تامر
وعدت “بنطلون الجينز” الخاص بي مراراً وتكراراً. أني سأحيله للتقاعد وأشتري واحداً جديداً آخر الشهر. لكن في كل مرة أصرف الميزانية التي قد رصدتها لشراء واحد جديد على أشياء أكثر أهمية. حليب طفلتي مثلاً.
بنطلون الجينز الذي تحمل معي أيام الحر والبرد. قاسى جداً قد كان ينتظر معي كل صباح سرفيساً يقلني من قريتي إلى مكان عملي في المدينة. كما تبلل بالمطر مرات كثيرة. ومرات أخرى أرهقه الحر وضراوة الشمس ساعات كثيرة هذا الصيف. إلا أنه صمد كثيراً. كما صمد حتى في وجه مقاعد السرفيس المهترئة الممتلئة بالنتوئات التي ترصدته. لكن استطاع الهرب منها بكل شجاعة. وحين عودتي من العمل كانت تشتد معاناته. فهو يذكر تماماً كم نطرنا سرفيساً تحت أشعة الشمس لأكثر من ساعة دون أن يتجرأ أحدنا على طرح خيار التاكسي. فالرواتب لن تستطيع أن تغطي تكلفتها. كما كان لابد أن نعتاد على الأمر ونصبر أسوة بالجميع. كم أود لو أشكره وأكرمه. ككل الذين يعودون لحضن الوطن اليوم.
بنطلون الجينز ذاته صمد معي أثناء مزاولتي لثلاث أعمال أحاول من خلالها تأمين أدنى متطلبات الحياة لطفلة صغيرة لم أستطع أن أقدم لها حضوري معها. واستبدلت ساعات وجودي معها بساعات من العمل موزعة على 3 وظائف. يحسدني عليها من حولي ويعتقدون أني أقبض ثروة آخر كل شهر. لكن بنطلوني الوفي كان يخبرهم باستمرار عن حالتي المزرية. وكان يخبرهم أيضاً اني أمارس عملاً أحبه لن أتعب منه.
اقرأ أيضاً: شعبان: الشعب الغربي يعاني الفقر والقهر نتيجة سياسات لا مصلحة له بها
شاهدت بنطلوني مرة وهو ينظر بعين الحاسد تجاه بناطلين بعض أصدقائي في العمل الذين يأتون لقبض الراتب فقط. بناطلينهم المزركشة الحديثة كان يود لو أنه علق بالخزانة مع بنطلون آخر أو أكثر فبهذه الحالة لم أكن سأضطر لارتدائه كل يوم وكان سيبقى جديداً. وحين علم أني فهمت عليه عاد واستدرك. وكأنه يقول لي أنت إنسانة معطاءة مثابرة وهم مجرد فتيات برستيج يعانين من البطالة المقنعة التي رفضتي أن تستسلمي لها واستبدلتي ساعات التسلية معهن بساعات العمل الذي تحبين. أوهمته أني اقتنعت إلا أني في صميم نفسي تأثرت قليلاً. والحمد لله أن أعمالي الثلاث في المواقع الالكترونية الصحفية لم تكن تتيح لي الكثير من الوقت للألم والتفكير.
يرى بنطلوني أن اللوم في كل ذلك يقع على الحرب. الحرب اللعينة التي سلبتني وإياه أشياء جميلة كثيرة. لكنه متأكد أيضاً أن الحرب ليست ألعن من الحكومة والمعارضة الذين وضعوني في هذا الموقف. وجعلونا نقاسي مانقاسيه من متاعب وهموم. إلا أن بنطلوني مؤمن أني سأنجح يوماً ما في إحالته للتقاعد. وأنا دائماً أعزز لديه هذا الإيمان وأقول له إلا ما تظبط. ولما تظبط لن أبقيه شاهداً على تلك الذكريات.