المتة.. ست الكُل في القلمون وصديقة الامتحانات
المتة مشروب الدراويش ومعدّلة المزاج.. غابت المكسرات ولم تغِب
تشير الساعة إلى الـ7 صباحاً، الموعد المنتظر، حيث تضع أمي “صينية المتة على شرفة البرندة مناديةً علينا. برفقة صوت فيروز المنبعث “فيقو جهّزت المتة”. المتة في القلمون ليست مجرد مشروب، إنها “ست الكُل”.
سناك سوري-ديالا البحري
تدرك أمي أن تلك الجملة الأكثر تشجيعاً لنا للاستيقاظ والحصول على رفاهية كاسة المتة الصباحية في يوم العطلة. وهكذا يبدأ يومي كما أهالي القلمون عموماً فالمتة رفيقة صباحاتنا وأوقاتنا والمشروب الأكثر شعبية لدينا.
ولـ”ستْ الكُل” كما يسميها القلمونيون طقوساً خاصة فهي جزء أساسي من تقاليدهم وثقافتهم إذ يحرصون على الاهتمام “بعدّة المتة” ونوعيتها وأناقتها وثقلها. والتي تتألف من صينية يوضع عليها ثلاث آنيات اثنتين للسكر والمتة وثالثة متعددة الاستعمالات. إلى جانب كاسة المتة التي يجب أن تأخذ شكلاً معيناً بحيث تكون طولية وصغيرة القطر يرافقها مصاصة معدنية.
أما عملية تحضير المتة في القلمون فتأخذ شكلاً تراتبياً يبدأ بوضع مقدار معيّن من عشبة المتة في الكأس ثم نقعها بماء فاتر. ووضع المصاصة برفق ثم شرب الكاسة الأولى التي تتميز بمذاق مرّ ولكن من أحب المتة أحب لسعة المرار في أولها. في حين يفضل البعض تصفيتها ليتم بعدها صب الماء بحركة دائرية في الكأس الثاني بحيث يكون الماء ساخناً دون أن يقارب حد الغليان. وتعتبر كثافة الرغوة التي تعلو السطح وطول المدة التي تحافظ فيها المتة على قوامها دون أن “تمصل” بحسب اللهجة المحكية مؤشراً على براعة من قام بتحضيرها.
رفيقة الدراسة
لطالما كانت المتة ونيستي كما كل الطلاب في منطقتي خلال المراحل الدراسية ولا سيما أيام الامتحانات. فكان حضورها رفقة كتابي مخففاً لثقل المواد وضغط الامتحان ومعينة إياي بالمحافظة على نشاطي مع كل رشفة. وكلّما غالبني النعاس أعادت أمي تجهيز المتة لي فيتجدد معها نشاطي مرة أخرى واليوم بعد إنهائي مراحلي الدراسية لا زلت أستعين بالمتة عند إعداد أي تقرير أو إنجاز اي عمل يوكل إلي.
معدّلة المزاج في الجلسات
تستوطن “معدّلة المزاج” قلبي كما تستوطن جلساتي مع الأصدقاء حتى باتت عبارة (عازمتك على كاسة متة) الدعوة الرسمية للقاءاتنا. وفرصتنا للتجمع والتواصل فما أن نجتمع حتى تترأس المتة قائمة الضيافة ويتفرّد كل منا بكأس ومصاصة. على اختلاف الطقس المتعارف عليه لدى غالبية أهل القلمون إذ تقدم المتة بكأس واحد يتشاركون به ويدور على الضيوف.
ويمكن إضافة نكهات للمتة مثل الزنجبيل أو الهال أما السكر فيكون بحسب الرغبة كما تعتبر المتة ذات النوع الناعم الأكثر قبولاً من المتة الخشنة. وهذا بخلاف بعض المناطق مثل أهالي الساحل الذين يفضلونها خشنة.
وعلى الرغم من أن سعر مشروب الدراويش تخطى سعر الـ40 ألف ليرة للـ500 غرام منه. إلا أن رفوف عشاقها لم تخلُ منها فظلت محافظة على مكانتها في سهرات العائلة ولكن بفارق أنه سابقاً كان يرافقها المكسرات والقراميش والبسكوت المشكّل. أما اليوم فبات تواجدها في أمسيات العائلات رفاهية بحد ذاتها.
تبقى المتة في القلمون أكثر من مجرد مشروب لدى أهالي القلمون بل تربطهم بها علاقة حميمية خاصة تحمل في طيّاتها لحظات الانسجام والتواصل. وتعزيز الروابط بين الأقارب والأصدقاء وتوقظ الذكريات لأيام سابقة عندما كان كأس المتة جامع الأحباب قبل شتاتهم في بقاع الأرض.
وتختلف عادات تحضير وشرب المتة في المحافظات السورية، فبينما تتشابه العادات بين القلمون والسويداء. تختلف قليلاً في حمص التي تكون المياه فيها فاترة مائلة للبرودة، وفي اللاذقية قبل أن تبلغ مرحلة الغليان بقليل. أما في طرطوس فتكون ساخنة وصلت لمرحلة الغلي.