الرئيسيةرأي وتحليل

التواصل الفيزيائي حاجة إنسانية – بلال سليطين

من فوائد الكورونا أنها جعلتنا ندرك أن التواصل الفيزيائي بمثابة الطاقة التي يحتاجها الإنسان

سناك سوري – بلال سليطين

لقد أجبرت مخاطر فيروس كورونا الكثيرين منا على اتباع سلوك التباعد الاجتماعي، والتوقف عن الاحتكاك المباشر مع الآخرين قدر الإمكان، حتى أن بعضنا عزل نفسه في المنزل عزلة شبه تامة ولم يعد يتواصل فيزيائياً مع الآخرين إلا للضرورة القصوى.
يأتي هذا التباعد الاجتماعي شبه القسري بعد قرابة 15 عاماً على شيوع وسائل التواصل الاجتماعي عن بعد عبر تطبيقات وأدوات تكنولوجية باستخدام الانترنت، وقد كانت هذه السنوات مسار جدل لم يتوقف حول دور هذا النوع من التواصل في القضاء على العلاقات الاجتماعية الحقيقية.
وتجدد الجدل أيضاً خلال فترة العزل المنزلي ونصائح منظمة الصحة العالمية بأن يترك الناس مسافات بينهم، أن يتوقفوا عن المصافحة، عن العناق، عن التقبيل، أو حتى عن الملامسة الجسدية لبعضهم البعض، وازداد الاقبال في الوقت نفسه على وسائل التواصل هذه حتى من أولئك الذين كانوا ينتقدونها وأصبحوا مثلاً يتواصلون مع محيطهم أو أبنائهم او أقربائهم عبر هذه الوسائل.

اقرأ أيضاً: الصحة العالمية تدعو للتباعد الاجتماعي والانتقال للهجوم لمواجهة كورونا

بالنسبة لي كنت واحداً من أولئك الذين اعتمدوا وسائل التواصل هذه خلال فترة العزل المنزلي، وكنت أتخذ كل الإجراءات الاحترازية ومازلت أتعامل مع الآخرين بما فيهم أقرب المقربين مني على أنه إما هم مصابون وإما أنا مصاب وبالتالي علينا تطبيق قواعد التباعد الاجتماعي.
بشكل شخصي كنت دائماً أشعر بعدم كفايتي من التواصل التكنولوجي، فعلى سبيل المثال كنا نجري بشكل دائماً اتصالاً بالفيديو يجمعنا كأصدقاء كنا نتواصل بشكل شبه يومي مع بعضنا ونلتقي عدة مرات في الأسبوع، لكنني في كل مرة أنهي الاتصال فيها كنت أشعر أنني مازلت بحاجة للتواصل معهم، ويقيني في ذلك أن حاجتي تلك ناجمة عن أنني لم أرهم أمامي لم أبادلهم الحديث من دون شاشة صغيرة لم أشعر أن صوتهم قريب مني، كنت كل الوقت أشعر أن هناك مسافات بيني وبينهم وأنني بحاجة للتواصل الفيزيائي معهم.
من جانب آخر هناك أشخاص كان لابد أن ألتقي بهم فيزيائياً خلال هذه الفترة لأسباب عديدة لست بمعرض ذكرها، في البداية لم نكن نتلامس جسدياً بشكل نهائي، بعد فترة قصيرة ابتكرنا طريقة للسلام بالقدمين قد يجدها البعض نوعاً من الظرافة أو السخافة لكنني أجدها حاجة للاحتكاك الإنساني مع الآخرين، طبعاً هذا الاحتكاك لم يكن كافياً دائماً كنت أشعر أنني بحاجة لمصافحة وعناق الأشخاص الذين ألتقي بهم وأودهم ويودوني وتربطنا مع بعضنا علاقات، حتى أولئك الذين لا أعرفهم كنت أود أن أصافحهم وأعتقد أنهم كانوا كذلك بينما أجزم أن المقربين مني كانوا يودون مثلي أن نتعانق ونتصافح ونكون قريبين من بعضنا البعض لا بعيدين جسدياً.

اقرأ أيضاً: المناضلة اللاعنفية ومؤسسة جامعة اللاعنف “أوغاريت يونان” في حوار مع سناك سوري عن العنف واللاعنف

لست خبيراً اجتماعياً ولا بعلم النفس، وأعتقد أنني إنسان طبيعي يرى أن كورونا الذي جاء لنا بفمهوم التباعد الاجتماعي واضطرنا للتباعد أيضاً حمل لنا فائدة كبيرة بأنه جعلنا نشعر بحاجتنا كبشر لبعضنا البعض، حاجة فيزيائية حسية إنسانية ليست مادية ولا ملموسة، إنها حاجة شعورية محضة ترضي حاجة داخلية في أعماق كل إنسان منا، ويمكنني القول أن هذا التواصل الحسي الإنساني بمثابة الطاقة التي يحتاجها الإنسان فعندما يصافح كل منهم الآخر يتزود بطاقة مثل الوقود الذي يحرك السيارات، وحاجة الإنسان لهذه الطاقة لا تقل عن حاجته الأساسية التي يذكرها هرم ماسلو.
ربما كنا في الماضي نبتعد اجتماعيا باللاشعور ونستخدم التواصل غير الفيزيائي لكن بتقديري بعد فيروس كورونا سنشهد هجمة تقارب اجتماعي غير مسبوق سنرى الناس يقتربون أكثر من بعضهم يعانقون بعضهم بعضاً ويصافحون بعضهم بعضاً بما في ذلك المختلفين فيما بينهم، وربما هذا الشعور بأهمية الإنسان يدفعنا أكثر لقبول المختلفين عنا وندرك حاجتنا حتى لهم.

اقرأ أيضاً: اللاعنف: الخيار المُغيَّب…! اليوم العالمي للاعنف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى