ذات مرة كتبت مقالاً بعنوان “من يرضى يعيش، لكن من لا يرضى يعيش أفضل”، راودتني فكرة المقال حين كنت مشغولاً بالهجرة بفعل الحرب مثل ملايين الأزواج السوريين، وخلال تلك الأيام الصعبة تمشّح وجهي بتقاسيم ناشفة وقاسية.
سناك سوري – شامل الخطيب [اسم مستعار]
للمصادفة بعد أيام ذهبت زوجتي في زيارة لأهلها لحضور إحدى المناسبات العائلية، لم أتمكن حينئذ من مرافقتها، لهذا ودعتها بوجهي الكالح والمكرر كأي زوج تسكنه الحرب، وحين تأخرتْ بالعودة على غير العادة اتصلت بها متسائلاً سبب تأخرها، فقالت بطريقة “روبن هودية” متمردة أنها لن تعود حتى أعدها بتنفيذ شروطها، وهي أن أمسح وجهي بالرحمن وأعود ذاك الزوج الكيوت والطيب، وأن أستبدل بقرتي الشرسة – التي بات اقتناؤها عبئاً بغير ذي نفع – بأخرى مدجّنة وهادئة.
وحين سألتها عن سبب هذا التحول في لهجتها قالت بتبصّر: «من لا يرضى يعيش أفضل أيها الزوج الطيب». لزمتُ الصمت كي لا أكون ممن يقولون ما لا يفعلون، فطوال سنوات مزاولتي مهنة الصحافة كنت صياداً لتقوّلات الآخرين على الآخرين، أما اليوم ينبغي للمرء أن يعترف بأنه بات طريدة.
اقرأ أيضاً: يوميات سائق سرفيس… المعاناة من كل الاتجاهات
لهذا وبعد أيام تناولتُ القلم وأخذت أكتب بتحايل أنا الآخر، فكان المقال هذه المرة بعنوان “الحياة الهادئة نعمة”، لعلها حين تقرأه تعزف هذه المرة عن أفكارها المتمردة. لهذا فتحت المقال من الموقع عبر هاتفي وتركته مفتوحاً، وتناسيته على الطاولة ثم غادرت المنزل كي أتأكد أنها ستقرأه.
في اليوم التالي حدث أنها لم تصنع طعاماً بالمطلق، فجلبتْ الحواضر من الزيت والزعتر وتربعت تأكل أمامي بنهم، ثم طوّحت عيناها نحوي بتزوّر وكأنها تعلم صدمتي لعدم صنعها طعاماً، فقالت بابتسامة ماكرة وقد فردت جناحيها للهواء: “الحياة الهادئة نعمة، الزوجة غير المبذرة نعمة يا أخي”.
منذ ذاك اليوم أدركتُ كم الصحافيون في هذه البلاد مساكين، مجردين من أبسط حقوقهم الشخصية. لهذا حملت نفسي على ظهري وانضممت مكرهاً إلى حزب الصحفيين المستعارين، من لا يمتلكون وجهاً ولا هوية، إلى زمرة الأزواج الكثر في بلادنا ممن باتوا يكتبون بأسماء مستعارة، وحين يسألني المقربون جداً عن السبب لجعلي أُذيّل مقالاتي باسم مستعار، أميل لهم عنقي تخايلاً وأدّعي بصوت خافت ومتقطع بأن كلماتي العميقة والمؤثرة باتت تؤلم الحكومة ولا رغبة لي أن أكون نيلسون مانديلا هذه البلاد. وفي داخلي أدرك سرّاً بيني وبين نفسي أني لم أكن أريد أن أكون “أبو بدر” هذا المنزل.
مع ذلك لست الفريد في هذه الحيلة، فمثلي يفعل المناضلون حول العالم بأن يهربوا من زوجاتهم خلف أسماء مستعارة ليكيلوا الإتهام ظلماً للحكومة، لينالوا بذلك الجوائز الصحفية ويكسبوا ود زوجاتهم.
اقرأ أيضاً: تجربة عملية … حين تسلّمت منصباً وجرّبت شعور المسؤولين