يبدو في رمضان أن أنواع الرجال في هذه القرية كأنواع الفطر. لا ندري إن كانت سامة أو جيدة إلا بعد أن يعرفها جسمنا. فنحن الرجال نصوم 16 ساعة غارقة بالحرارة والجفاف وما إن يحلَّ الإفطار حتى نتخم من أول 6 دقائق لنتسابق بعدها في مجّ السجائر. يبدو أن للأمر علاقة بالفوتوشوب. ولكن ذلك ينتج ما يكفي من “النهفات الرمضانية”
سناك سوري – شاهر جوهر
في العموم إن الجوّ هنا في أول يوم رمضاني وفي هذه القرية بالذات مشحون بالعصبية. مكهرب ويكاد ينفجر. فالجميع هنا ينظر إليك بنزق. وبعقدة فوق الجبين يمر دون أن يلقي التحية حتى. تعالوا نتحدث قليلاً عن أول يوم رمضاني. فلرمضان روحانيات جميلة. أنا أشعر بذلك. إذ تجد الجميع من حولك مُدبِر غير مُقبِل. فمع هذا الجو القشيب تتفتح حيل ومكائد الجميع.
أما عائلتي فهي ليست استثناء. فالأبواب كل حين تُطبَق بعصبية. الصحون في المجلى تكاد تتكسر. الأكتاف تتخابط بالأكتاف. الكلّ سكارى وما هم بسكارى. فأنا مثلاً أستيقظ. أفتح الباب وأتمطّى بإيمان. أعبُّ الهواء ملء معاطسي. وأردد في كسل (أهلاً رمضان). أنا مطمئن لذلك. فالتحايل على رمضان بات سهلاً في هذا الجو اليابس.
ففي عائلتي تصرفات وأفعال إيمانية كثيرة. مثلاً أجدني أفقد أخي الذي كنت أراه كثيراً في العادة كل دقيقتين ينط أمامي ليرتدي قميصي أو يستعير هاتفي للحديث مع إحداهن. أما في هذه الأيام المباركة فشغله الشاغل هو الوضوء. وحين أسأله السبب يرد وقد نكّس إحدى حاجبيه ورفع الأخرى بامتعاض (بلل المضمضة لا يُفطر يا شيخ). مع العلم أني لم أسأله عن بلل المضمضة لكن يبدو أن لا جريمة كاملة. لهذا أنسحب بهدوء لأني أعرف أن الوضع مأزوم خصوصاً في أول يوم رمضاني.
اقرأ أيضاً : في اليوم الأول من رمضان.. اللعنة على الحرب!
أيضاً ابن أخي لديه نهفات رمضانية جميلة. أجده كل بضعة ساعات يتسلل من المطبخ وهو يتلمظ مسرعاً. ثم يغلق على نفسه باب غرفته. وأنا بحشرية رمضانية معروفة أدس عيني من ثقب الباب. لأرى كيف يفرك شفتيه في الجدار حتى تتشقق لتبدو للجميع أنها تشققت من الجوع و العطش. ثم يخرج وهو يتأرجح في مشهد تمثيلي احترافي. وحين يشك أني كشفت خديعته. يسألني بخبث (عمي. . أي ساعة بيحل الفطور؟).
هذا الولد يذكرني بطفولتي. ففي طفولتي لطالما كنت أنسى ( الأصح أني أتناسى) أني صائم. فآكل وأشرب وحين يسألني أحدهم لما أفطرت أجيب بمكر (أطعمني وسقاني الله). لكنني أعلم في سري أن من أطعمني وسقاني هو الشيطان الذي في داخلي لا غير.موقع سناك سوري.
ومع كل ذلك أعتقد أن عائلتي أكثر صبراً من جارنا (س).-(يفضل عدم ذكر اسمه كي لا أكون مشروع إفطار جديد لديه) – هذا الرجل لديه نهفات رمضانية جميلة. فكل عام من هذا الشهر الكريم يحدث استنفار عام في منزله لإدمانه الشديد للسجائر.
ولكن هذا العام الوضع مختلف ويبدو أنه مأزوم. فقد جاءني ظهر هذا اليوم وقد تورّمت عيناه. جلسنا بمفردنا. وكمن يسرق شيئاً. سحب سيجارته من عبّه وراح يمجُّ دخانها مجّاً. ثم قال قاطعاً الطريق أمام أي تأنيب أو كلمات توقع أن أقولها : (زوجتي لا تفهم أني لا أستطيع الصيام عن الدخان. لذلك كسرت بعض الصحون. وأهنتها أمام أولادي. يا الله ليتني لم أفعل.. لكن إنها لا تفهم . دائماً تجبرني على فعل ذلك. لقد كتبت لها رسالة وضعتها فوق البراد. لعلنا نجد حلاً لنكمل حياتنا بشكل طبيعي طوال هذا الشهر).
اقرأ أيضاً:
وما أن انتهى من حديثه حتى طلب مني أن أكون وسيطاً للإصلاح بينهم. لهذا زرت زوجته ووجدتها تقرأ رسالته وقد كتب فيها :«زوجتي العزيزة: أسلمي تسلمي يؤتيك الله أجرك مرتين.إما تمرقي هالشهر الفضيل على خير . و إما هناك خطة (ب) تجبرك تضبي أغراضك وتروحي لعند أمك ليخلص هالشهر الكريم. وكفى الله المؤمنين شر القتال. بعرف غلطت بحقك. و أن الافطار غير مقبول أمام الأولاد. لكن كل مين على دينو وربو يعينو .وبالنسبة للتدخين برمضان فهو غير مفطر . سألت الشيخ قلي “الدخان لا يعتبر سبب للافطار لكنه يفسد الصيام”. وكمان رب العالمين يقول بسورة البقرة / آية 184 ”وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين“. وأنا زلمة ما بطيقو لرمضان. و خطيب الجامع “عامر” لساتو عايش روحي اسألي. حكى يوم الجمعة الماضية أي حدا ما بطيق الصيام بيفطر وبيطعم 60 مسكين. وأعتقد انك زوجة مؤمنة وحتفهمي كلامي. وشكراً.زوجك المحب».