الرئيسيةرأي وتحليل

مأساة الرهائن ومأساة كل البشرية من بعدهم – أيهم محمود

البشرية ليست بخير.. إما أن نفعل ما نشاء أو نحرق العالم كله!

لا، ليس العنوان مضللاً كما سيدّعي البعض المعجب بأساس هذه المأساة، البعض الذي ينتقد بحدة تصرفات الرهائن وأساسها الثقافي ثم يختم معلقات انتقاده هذه بأنهم أذكياء وهم ينجحون دوماً، هذا الختام غير “المسك” -بل عكس “المسك” ونقيضه التام- هو اعترافهم الذاتي بأن انتقادهم المزعوم لهم كذبةٌ كُبرى، وأنهم على استعدادٍ تام لممارسة هذا الذكاء في أقرب فرصةٍ ممكنة إن لم يكونوا يعيشونه فعلاً في حياتهم اليومية، عرفت خلال حياتي التي دخلت ربعها الأخير كثيراً من البشر الذين صمدوا طويلاً قبل أن ينهاروا في آخر حياتهم ليموتوا أذكياء، فهل كانوا بالفعل كذلك؟.

سناك سوري-أيهم محمود

لننتقل مباشرةً إلى الكلام المباشر والواضح، ليست البشرية بخير، قبل عدة أيام فقط تم إعلان آخر تهديدٍ نووي “إما أن نفعل ما نشاء وما نريد أو نحرق العالم كله!”، انتبه يا صديقي القارئ، هم لا يقصدون بالعالم أنا وأنت وأطفالنا وعائلاتنا وشعوبنا فقط بل يقصدون كل أنواع الحياة، حتى هذا الطير الذي يغرد فوقك الآن آمناً سيحترق هو وأطفاله لكنه لا يعي لماذا عليه أن يحترق من أجل جنون البشر، هذه صورة واحدة فقط من صور الذكاء الذي أقرّه السيد “ميكافيلي” في كتابه “الأمير”، هو الأصدق بينهم فقط.

معظم عناصر ثقافتنا الحالية تَحْفَل بتناقضات الخداع والعنصرية حتى في النصوص التي تدّعي عكس هذا الأمر، نحن رهائن هذه النصوص -بعضها مقدس لا يقبل النقد- التي تجاوزت “الأمير” في إبداعها لكنها لم تكن بمثل صدقه، يملك ميكافيلي فضيلةً يتيمةً في النهاية، في تناقضٍ تام مع ما ظنّه أثناء تأمله لأعماق نفسه.

اقرأ أيضاً: روسيا حزام النار – أيهم محمود

من هو الرهينة ؟

الإنسان الذي خلق حوله الفساد، أم ضحايا الفساد من البشر؟، الإنسان الذي يطبق فقرات كتاب الأمير ويعتبرها طُرقاً ناجحة، أم الإنسان الذي يقع ضحية هذه النصوص.

هل يستطيع من أوجد نظام الفساد حوله أن يتجرأ في وقتٍ لاحق على الاعتراض عليه!، أم أنه سيصبح أسيراً له لتنحصر مهمته الوحيدة في صيانته وفي التنسيق بين أطرافه، أي أنه أصبح في النهاية خادمه وليس الأداة التي يستخدمها حين يشاء، فالفساد هو من يستخدمه متى شاء ومتى أراد وليس العكس، لقد صاغت الكاتبة البريطانية “ماري شيلي” الفكرة بعناية في روايتها “فرانكشتاين”، لقد عاد الوحش لقتل صانعه حين رفض الإنصياع لرغباته، هذا ما يجري بالفعل حالياً مع من صنع وحوشاً مماثلة.

عَبَّرت الولايات المتحدة الأمريكية في بعض قنواتها الإعلامية عن صدمتها من بعض مواقف “الديكتاتوريات الجيدة” التي ترعاها وتحميها من قضية الغزو الروسي لأوكرانيا، فرانكشتاين أراد خلق زوجة له لكي يتناسل ويتكاثر ويسود العالم وقد أدرك ذلك صانعه لكن في وقت متأخر، أدرك الحقيقة بعد أن أصبح هو وعائلته رهينةً لما صنعه، أمريكا الوريثة الشرعية للذكاء البريطاني الذي سيطر على أجزاء واسعة من العالم عَبْرَ صُنع أعداد كبيرة من جنس “الفرانكشتاين”، لقد حان الوقت لمواجهة فشل منهج صنع “فرانكشتاين” جديد خانع يقضي على القديم المتمرد، هذه الطريقة لم تعد تُجدي كما هو واضح من بحر الأزمات المتلاحقة التي يتخبط فيها العالم الآن.

اقرأ أيضاً: تشابك الإدارات العالمية – أيهم محمود

لدينا الآن مجموعة أمراء يهددون الكوكب بالحرق النووي إن لم تنصاع البشرية لأهوائهم ورغباتهم، الأمر بهذه البساطة وبهذه الوقاحة وبهذه العبثية-المأساة أيضاً، ليس العالم الغربي استثناءاً بل هم في قلب المشاركة وفي قلب هذا التعميم أيضاً، الوحوش حين تفترس لا تشتكي من الوحشية ومن رائحة الدماء ومن صراخ الضحية، الوحوش تشتكي فقط من وحشية المنافسين لها.

من هم الرهائن هنا؟، من اعتقدوا أن الأخلاق الصارمة للضعفاء فقط، أم من وقعوا ضحية هذا الإعتقاد؟، مازالت البشرية في معظمها بعيدة عن الإيمان بمشروعية طرح هذا السؤال، الثقافة السائدة تنتصر للذكاء الميكافيلي حتى لو انتقدت بعنفٍ كتاب الأمير الذي لم يُوفق في تغليف تعاليمه بالسكر والألوان الزاهية كما فعلت الغالبية العظمى من نصوص ثقافتنا الرصينة!.

اقرأ أيضاً: قريباً السيارات الثمينة في العالم إلى الصهر – أيهم محمود

زر الذهاب إلى الأعلى