ثورة أمريكية_ ناجي سعيد
الموروث الثقافي في المطالبة بالحرية تفجّر على يد الشرطي الأبيض ذو الحظ السيء
سناك سوري – ناجي سعيد
قد تكون الكرسي حقًّا يتمسّك به الإنسان، هذا لو كانت مقعدًا في باص فقط ولا أقصد بالطبع كرسيًا في منصب يفيد الناس في الشأن العام ومن السهل استغلاله. فقد فتحت “روزا باركس” نافذة الحريّة في مواجهة الظلم والعنصرية وكان هذا في 1/12/1955 م، في مونتغمري في ألاباما حيثُ رفضت باركس طلب سائق الحافلة جيمس بليك بالتّخلي عن مقعدها في “القسم الملوّن” إلى راكب أبيض البشرة، بعد امتلاء القسم الخاص بالركّاب من أصحاب البشرة البيضاء. ولم تكن بارك أول من حارب العنصرية، إلا أنها كانت تلقى اهتماماً كبيراً من قبل العالم بعد اعتقالها بسبب مقاومتها وعصيانها لقوانين الفصل في ألاباما.
في 15 كانون الثاني/يناير عام 1929 وُلد مارتن لوثر كينغ في مدينة أتلانتا بولاية جورجيا، حيث سادت أبشع مظاهر التفرقة العنصرية والتمييز، لكنه استطاع مسلحا بالأساليب السلمية في مقاومة الظلم الذي كان سائدا في مجتمعه، أن يساهم في تغيير وجه الولايات المتحدة. وقد كان قسًّا وحصل على درجة الدكتوراه في علم اللاهوت. حيثُ اعتبر بطلاً قوميًّا نظراً لإنجازاته المهمة. فقد ساهم عام 1955 في تنظيم أول احتجاج مهم لحركة الحقوق المدنية للأميركيين من أصول إفريقية والمتمثل في مقاطعة حافلات النقل في مدينة مونتغومري بولاية ألاباما. وبالطبع له العديد من الجُمل التي انتشرت كمقولات هامة بين الناس، ومنها: “الظلام لا يمكن أن يطرد الظلام، الضوء فقط يستطيع أن يفعل ذلك، الكراهية لا يمكن أن تطرد الكراهية، الحب فقط يمكن أن يفعل ذلك”. وكما الفِتنة، أيضًا إنّ الحقوق نائمة إلى أن يأتي أحدٌ لإيقاظها.
اقرأ أيضاً:دبلجة القيم _ناجي سعيد
إن مفهوم الحرّية عميق ولا يمكن حصره في حرية التعبير عن الرأي مع عدم الأخذ بهذا الرأي. وكما كان العديد من الأصدقاء الذي ذهبوا أو عاشوا في أميركا، فهم يظنّون أن حريتهم هي القدرة على شتم الرئيس علانية. وهذا يُشبه الأطفال الذين يكنّسون الأرض ويخبّئون الغبار تحت السجّادة. لا يمكن للإنسان المُتّزن أن يعكس سلوكه تقديرًا للشكل والمضمون. أي أنه حين يتعرّف بإنسان ما فإن تعامله معه يعكس تقديره للشكل والمضمون ليحدث الإتّزان المطلوب. وفي الحياة التقليدية في مجتمعاتنا الشرقيّة نعاني الكثير من المشاكل العائلية التي ينتج عنها التفكّك الأسري، وهذا بالطبع نتيجة طلاقات كثيرة، ولو سألنا ما سبب هذه الطلاقات، يكون الجواب بالطبع أن الزواج يكون سطحيًّا، أي أن العريس يُعجب بشكل العروس الخارجي فقط، ويرتبط فورًا بها. فيتفاجأ بأن الإرتباط لا يستمرّ بالعيون الخضراء والشعر الأشقر والقدّ الميّاس والخصر الناحل. فبعد شهر العسل، تخرج اللسعات والسموم.. وهل هذا الذي ينطبق على العلاقات الشخصية ينطبق على الأنظمة؟
حسنًا أليسَ ما يحكم العلاقة بين الزوج والزوجة هو نظام؟ مدنيّ أم شرعي، فالنظام هو مسار يُطبّق ليحكم العلاقة بين طرفين، حتى لو كان الطرفان أشخاصًا أو أنظمة، والغبار المرمي تحت السجّادة يشبه الحق في شتم الرئيس علانيةً، أو السير عاريًا في الشارع، فهذه حرّية فرديّة وزركشتها تُعمي الأبصار عن رؤية الحقوق. يظن المرء بأنّ حريّته ثوبًا يستر حقوقه، لا فالثوب ملوّن وجميل، ويُبهر العيون فتتوه عن رؤية الحقوق.
اقرأ أيضاً: عن عُنف الشارِع والجوع وسوء السلطة_ ناجي سعيد
مقعد روزا باركس لم يكن مجرّد تمسّك بمقعد من حيث الشكل، فقد حفر في تاريخ بني قومها وذاكرتهم، ضوءًا جعلهم يتمسّكون لا بل يعتنقون الدفاع عن الحريّة. وقد قال غاندي: تنتهي حرّيتي عندما تبدأ حقوق الآخرين، ولكن إنجازات لوثر كينغ أنهت حقوق البيض في الظلم والقمع حين بدأت حرية المجتمع الأسود في الظهور للعلن.
كلّ ثورة تبدأ بالجوع، وإن لم يكن للطعام، فللحرّية والإنسانية. وقد قال يسوع بالإنجيل: “..ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان..” حتى لو كانت الظروف صعبة، حيث الجرأة تختفي عتد المظلومين ليثوروا على الظالم، فالكثير من الظالمين حرّكهم خنوع وخضوع المظلوم لا شجاعته على البأس والظلم، وفي أميركا حاليًّا بدأت الناس بتحريك الثورة، أي نعم لا يمكن الجزم بالأسباب من فقر وبطالة وجوع، وقد تكون أسبابًا غير مباشرة. لكنّ ما نعرفه من وسائل الإعلام، بأن المُغالاة والتعنّت من أحد رجال الشرطة من ذوي البشرة البيضاء أثناء اعتقاله رجلاً ذو بشرة سوداء، كان عنيفًا في توقيفه: ألقاه أرضًا، وضغط بقوة هائلة على رقبته ومن دون مقاومة الرجل الأسود، كان الضغط على الرقبة خانقًا ومميتًا. بالطبع لا يكفي ضجّة الوسائل الإعلامية بالخبر المؤسف، بل الأهم أن اشتعال الثورة من أناسٍ تظاهروا بالديمقراطية، لكنّ الظلم خرج من قلب الشعب المظلوم كزبد الماء يرغو من فم الغريق حين يلفظه البحر إلى الشاطئ.
أعتقد أخيرًا، بأن الموروث الثقافي في المطالبة بالحرية تفجّر على يد الشرطي الأبيض، ذو الحظ السيء، هذا لو فُتحت صفحة جديدة بيضاء للسواد في العالم.