الرئيسيةرأي وتحليل

نواب الشعب يديرون شؤونهم الخاصة – ناجي سعيد

الانتخاب يشبه أن تشتري بضاعة مغشوشة من محل ما

حين تبحث في المعجم الوسيط عن المفردة “انتخابات”، يوضح لك بأن الإنتخاب هو الإختيار، وهذا هو المقصود، ولكنّ الصدفة السياسية تشاء أن تورد مصطلح “النخيب”، (قلبٌ نخيبٌ: فاسِد) في نفس الصفحة مع مصطلحي: “الناخب” أو المُنتَخِب، مع “المنَتخَب”. وهذه الصدفة السياسية السلبيّة، يحرّكها سلوك المُنتَخب من قبل الناخبين، فتصبح المسؤوليّة السياسية للنائب المُنتَخب نائبة على المُنتخِبين. فالسياسة هي إدارة شؤون عامّة الناس، وقد حوّل المُنتَخبون هذه السياسة إلى إدارة شؤونهم الخاصّة!.

سناك سوري-ناجي سعيد

لو ذهبنا لُغويًّا، لكانت النخبة، والمفروض أن تكون فئة مُنتخبة، أي مُضطفاة من الصفوة التي تتميّز بصفات نخبويّة، موجودة لدى كلّ مُرشّح، وهذه الصفات هي الدافع الأساس للترشّح. حيث يقتصر المرشّحون على إدّعائهم بأنّ نواياهم حسنة تُعبّد طريق خاطئ يتبعونها. وينتهي إدّعائهم للنوايا الحسنة عند وصولهم إلى منصّة البرلمان. فالداخل إلى البرلمان “موجود” لوحده، والخارج المُنتخِب “مفقود” أو مٌهمَل! وميكيافيليّة النوّاب، تتجلّى من خلال تبرير وسائلهم، من أجل الوصول إلى غايتهم : “الكرسيّ المُحصّن”.

والحصانة هي الغاية التي تُعمي الحقّ عن البصر. فتصبح المنايا “خبطُ عشواءٍ من تُصب تَقتُل، ومن تُخطئ، تضلّل الشعب المغلوب على أمره. إن الوعي جزءٌ من فلسفة اللاعنف، تفرض من أي إنسان أن يستخدم عقله، لا عاطفته، فيفكّر نقديا ليسأل أي مرشّح حين يضغط عليه من خلال إتّصال هاتفي، ليطلب انتخابه: “وهل تريدني أن أنتخبك لأنك تخدمني وتخدم عائلتي؟ أو عشيرتي؟ أو طائفتي؟” ولو أنّ قانون الإنتخاب طائفي، فهل يعني أن أُسجَن في مصلحة الطائفة الضيّقة؟ ولست أدعو الناس إلى مقاطعة انتخابات لأنّ قانونها طائفي بامتياز، بل أدعو الناس إلى عقلانية، لا تشبه النفعية الضيّقة لجارتنا التي أخبرتني بأنها ستنتخب من يعطيها ألف دولار!.

اقرأ أيضاً: العنف الانتخابي … عن شراء أصوات الناخبين – ناجي سعيد

سوق الإنتخابات هو سوق عرض وطلب، فلو اشتريت أغراضًا ذات مرّة من محلّ تجاري، وكانت بضاعة مغشوشة، فمن الغباء معاودة الكرّة والشراء من ذات المحلّ!، وهذا المثل مُبسّط عن الإنتخابات لوطن يعاني من أزمات إرتكبتها سلطة فاسدة، فمن “جرّب المجرّب كان عقله مخرّب”.

اللاعنف يمنح الجميع فرصة الترشّح، للوصول إلى مكان يخدم الوطن، لا يخدم الفساد والسرقة والهدر في المال والممتلكات العامّة! ويكفي الناخب أن يعرف –وهذا حق مشروع- من الذي وبسبب الهدر والاستهتار خزّن في مكان عام مُتفجّرات تسبّب تفجيرها بقتل عشرات الأبرياء. إن هذا الهدر هو العائق في بناء دولة مستقلّة ذات سيادة، انشغل فاسدون في حصد المقاعد التي تهرع إلى إنجازات يتبارون بنسبها وربطها بدول خارجية، ليبقى لبنان مرتهن إلى الخارج بعيدًا عن السيادة!.

لو حصرنا معنى الإنتخاب بمدلولها اللغوي، لذهبنا لاختيار “تفاحة” غير مهترئة من صندوق تفاح، ونحن نُدرك بأن التفّاحة المهترئة تُهري الصندوق بأكمله. حتّى الماضي الذي كان اللبنانيون يتغنّون به، حيث تجرّأ “أبو ملحم” بالمقولة: “نيّال مين إلو مرقد عنزة بجبل لبنان”.. سأقول لأبو ملحم: لقد ماتت العنزة مسرطنة! فالبيئة كلّها تسرطنت! باستطاعة كلّ لبناني أن ينتخب التفّاحة مهما كان لونها، ما دامت غير مُسرطنة، لجعل التفّاحة “غذاء” العنزة، لتبقى في لبنان ويحسدها الناس، لا يتسابق معها الشباب على أبواب السفارات للحصول على تأشيرة هجرة إلى الخارج. الخارج حيث لا يُحوّل الشباب الواعي مدينة حرّة مثل “برلين” إلى شيّاح يرتاح فيها كُل سياسي في كرسيه للأبد.

ناجي سعيد – كاتب لاعنفي من لبنان

اقرأ أيضاً: العقل الحر والتبعية – ناجي سعيد

زر الذهاب إلى الأعلى