الرئيسيةيوميات مواطن

نصائح سريالية لنساء واقعيات.. حذائي الطبي وروبوت الأعمال المنزلية

هل يمكن للمرأة أن تتعايش مع الآلام؟

بادرت بمحادثتي فور جلوسي بجانبها في غرفة انتظار العيادة العظمية، قائلة: «كيف يطلب منا الطبيب تجنب الأعمال الرقبية؟ ألا يعرف كيف يتم جمع الغسيل وطيه، وتقطيع الخضار، وحمل الاحتياجات؟»، سيدة في أواخر الخمسينات كما أخبرتني تعاني من آلام في الكتفين والرقبة أم لثلاثة أبناء، أصغرهم طالب في سنته الجامعية الثالثة، وأختاه تعملان من التاسعة صباحاً حتى السادسة مساء.

أخبرتها بدوري لتأكيد استهجانها: «أن طبيب الأعصاب حذرني من الوقوف لدرجة قال لي: إن استطعتي افتحي البراد وأنت جالسة؟! عند مراجعتي له بعد معاناتي مع ألم حاد في مفصلي الركبتين، وأضفت مع ابتسامة ساخرة رفض طبيب العظمية الموافقة على طلبي بإعطائي استراحة مرضية، لأن هذه الأوجاع سترافقني، فهل أستريح طوال حياتي سألني حسب تقديره لحالتي».

في كل زيارة لطبيب المفاصل أو العظمية والأعصاب، أقول علينا نحن الأمهات عاملات أو ربات منازل فقط، أن نؤسس لنا منتجعاً صحياً نلجأ إليه بعد كل هجمة ألم بدل التوجه إلى العيادات، ألا ينصحنا الأطباء بالراحة والدفء، ويخطر في البال أحياناً أن يوجه التمويل النسوي لتوزيع روبوتات للأعمال المنزلية، طالما لم نستطع حتى اليوم تقاسم الأدوار الإنجابية بالعدل داخل البيوت.

اقرأ أيضاً: المرأة الموظفة.. مساواة في العمل وجهد مضاعف بالمنزل – لينا ديوب

أعلم أن الأمراض تصيب الجميع رجالاً ونساء، لكنها أكثر حدة عند النساء، والأسباب متعددة منها الحمل والولادة والإرضاع، وانقطاع الطمث الذي يسبب تغيراً في الهرمونات التي تنتج الكلس، فتصبح عرضة لهشاشة العظام، وعليها اللجوء إلى المتممات الغذائية وممارسة الرياضة، هذه الأسباب نفسها يتبعها أسباب أخرى وهي أعباء الدور الإنجابي التي يزيدها الفقر وفجرتها الحرب.

حملت وزميلاتي في العمل أوزاناً كبيرة من احتياجات البيت لمسافة كبيرة، في طريق عودتنا إلى بيوتنا في منطقة تمطرها القذائف في ضاحية “حرستا” طيلة سنوات الحرب، وعندما انقطعت جميع وسائل التدفئة كان البرد يتغلل في عظامنا ويفعل فعله، لن أنسى كيف كنت أرفع الغطاء عن ابني المصاب الملفوف كامل جسده بالشاش وأنفخ عليه ليتدفأ في غرفته التي حولها البرد والعتم إلى صندوق كئيب.

تخرج السيدة التي التقيتها في العيادة باكراً إلى الفرن لتشتري الخبز من الفرن مباشرة، ليتسنى لها حفظه بطريقة تبقيه طرياً صالحاً لإعداد السندويشات لابنها طالب الجامعة، وابنتها الموظفة لأن الغلاء فرض عليها وعلينا التقيد بطعام البيت لأنه أقل تكلفة، الغلاء نفسه فرض علينا المزيد من الأعمال التي كنا نريح أجسادنا منها كالكوي وتنظيف البيوت ولو شهريا بالاعتماد على عاملات.

اقرأ أيضاً: نساء يجبرن على العمل الإضافي: الغلاء لا يرحمنا!

توجهت إلى محل الأحذية الطبية نهاية شارع “الصالحية”، لعل الحذاء يخفف بعضاً من معاناتي، طلب مني البائع أن أمشي أمامه حافية، ثم تفحص حذائي القديم، ليقول لي وهو يناولني فردة للتجريب:«كنت تحتاجين(قوساً) منذ الطفولة تحت الضبان لأن قدمك مسطحة وتميل إلى الجهة الأنسية».

انتعلت حذائي الجديد، الذي لاحظت فائدته على دعسة قدمي بعد خطوات قليلة، دون التحسر على راتبي الذي تبخر في مشوار واحد من العيادة العظمية في دوار “كفر سوسة”، إلى الصيدلية على بعد أمتار منها إلى قلب شارع “الصالحية”، حذاء بـ 63 ألف وكشفية طبيب مع المراعاة بعشرة آلاف، ومتمم غذائي غلوكوزامين مع أقراص للالتهاب بـ 24 ألفا.

فكرت بالنساء اللواتي لا يعملن ولا ينتظرن راتباً شهرياً، بمن لا ينتظرن حوالات من أخ أو ابن أو أخت في بلاد الاغتراب، كيف يتحايلن على آلام الشقاء والكفاح والتقدم بالعمر، وهل ينجح معهن التسليم بالتعايش مع الألم كما قال لي يوماً طبيب العظام.

سناك سوري – لينا ديوب

اقرأ أيضاً: أمهات سوريات قضينّ يوم عيدهنّ بالعمل لكفاية عوائلهنّ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى