الرئيسيةرأي وتحليل

مساحة المجتمع المدني الغامضة

المجتمع المدني…. الاستدامة والحالة الطارئة

سناك سوري – مازن بلال

ظهرت بوادر المجتمع المدني في سورية خلال الأزمة، وقدمت أشكالا من الخدمات ضمن مساحات لم تكن مؤسسات الدولة قادرة على تغطيتها نتيجة ظروف الحرب، ولكن هذا المجتمع كـ”مؤسسات” لم تتضح شخصيته بعد، فهو يحاول اقتطاع مساحات مجزوؤه ليطرح مبادراته التي تضيع عموما وسط سرعة الحياة، فهو لم يتحول إلى شريك داخل الحياة العامة، وفي نفس الوقت مازال يبحث عن شرعية له في ظل سكونية الحياة السياسية.
بالتأكيد فإن الأزمة قدمت “المجتمع المدني” للسوريين كأحد العناصر التي يمكنها التعامل مع تفاصيل الحياة العامة، وحتى قبل الأزمة ظهرت مؤسسات ساهمت في ملأ الفراغ داخل عملية التنمية إجمالا، لكن المشهد السوري العام لم يقدم تصورا كاملا لهيئات المجتمع المدني كعامل فاعل، وربما ساهمت مهام التفاوض خلال الأزمة في دفع الحراك المدني إلى واجهة العمل من خلال “غرفة المجتمع المدني” التي أنشأها المبعوث الدول السابق لسوريا ستيفان دي ميستورا.

اقرأ أيضاً اللاجئون كشرط تنموي – مازن بلال

إن السؤال المطروح بعد سنوات الحرب يرتبط بالمصالح التي تقدمها مبادرات المجتمع المدني، فهل هي بالفعل تحاول شغل المساحات التي لا تستطيع الدولة التعامل معها؟ وهل هناك عمل تقوم به يمكن أن يراه المجتمع متميزا ولا تستطيع المؤسسات الرسمية القيام به؟ عمليا فإن مهام المجتمع المدني بالعموم ليست حالة تنافسية مع الدولة، وهي أيضا ليست تعويضا عن غيابها لأنها في النهاية تتعامل مع مصالح اجتماعية ضمن سوية مختلفة تماما، وهذا ما يدفع أي مواطن لإيجاد مقاربة بسيطة عبر سؤال بسيط: أي مهمة يقوم بها المجتمع المدني لا يمكن للدولة ومؤسساتها القيام بها؟ وما هي حاجته لهذه المؤسسات طالما أنه قادر على تحقيق مصالحه دون الحاجة لأي مؤسسات غير حكومية؟
الإشكالية الأساسية أن “المجتمع المدني” عالق في الأدوار التي ظهرت مع بداية الأزمة، وفي أحسن الحالات فهو يقوم بمهام “الرديف” لعمل المؤسسات الحكومية، وهذا الأمر يلغي “استدامة” عمله ويجعله حالة طارئة خصوصا عندما يصبح العمل المدني مرتبط فقط بالجانب الخدمي، فالمساحة المطلوبة لنشاطه مازالت غامضة، وهو لم يخلق لظروف مختلفة سياقه الخاص الذي يميزه، ويجعله قادرا على تنمية ظاهرة مختلفة داخل المجتمع.

اقرأ أيضاً منظور تنموي… الإصلاح الاقتصادي – مازن بلال

المجتمع المدني في سورية يحتاج لسوية مختلفة كليا عما نشهده اليوم، فهو يمكن أن يبدأ كمعبر عن حالة معرفية متميزة قادرة على قراءة المجتمع، وتستطيع تمييز المصالح الجديدة التي فرضتها الحرب، كما يمكنه أيضا أن يصبح “علاقة” بين كافة الأطراف دون الحاجة إلى منافسة هذه الأطراف على أدوارها، وربما هناك الكثير من المساحات التي يمكن أن يدخلها بعد أن يتخلى عن النمط التقليدي الذي ظهر خلال الحرب أو النماذج التي تطورت خارج التجربة السورية.

اقرأ أيضاً الجمال التنموي!!! – مازن بلال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى