الرئيسيةرأي وتحليل

مابين المعارضة وردة الفعل … ناجي سعيد

من لديه حاجة لا يحق له أن ينتهك القيم والمبادئ

سناك سوري – ناجي سعيد

إنّ الإعتراض على فكرة أو سلوك معيّن حقّ طبيعي لدى الإنسان، وقد تتّوسع دائرة الإعتراض لتصبح “معارضة” سياسية على أيّ نظام قائم. وهذا أيضًا حقّ إنساني. ولكنه يفقد قيمته الحقوقيّة إنسانيًّا حين ينتهج  إرتكاب العنف طريقة وأسلوب لإيصال فكرة الاعتراض أو المعارضة.

وفي الجدل حول كيف هي الطريقة أو الأسلوب الناجع للإعتراض أو المعارضة، برأيي فإنّ الإبتعاد عن العنف هو ابتكار “للفعل”، أمّا ما هو عنفي فينحصر في إطار “ردّ الفعل”. والفكرة ليست فلسفيّة، لكنها بشكل طبيعي وعلى مستوى “نفسي” فإنّ أيّ فعل مُرتكَب من فاعل، بالطبع ينتظر ردّ الفعل. فالفعل المجرّد من صفته السلوكيّة، هو نتيجة لحاجة أورغبة يحرّكها السلوك طلبًا لتلبيتها. وكلّما تعمّق أو طال زمنيًّا ” نقصُ الحاجةِ” بداخلنا، أفقدنا السيطرة على اختيار نوع السلوك المصاحب للإعتراض أو المعارضة.

اقرأ أيضاً:بين التعليم والترويض .. ناجي سعيد

وكأنّ من لديه حاجة ما، يُعفى من القيم والمبادئ. والمقصود هنا أن عامة الناس تبرّر للُمُخطئ (بسلوكه العنيف) بأن حاجته ملحّة.وكأنّ تلك القيم الإنسانية والمبادئ تزول تلقائيًّا مع بروز حاجة الإنسان لشيءِ ما.

وكي لا نغوص في كيل الإتهامات، وتأخذ بُعدًا سياسيًّا، فإنّ مصلحة الإنسان الفرد يطغى على موقفه الجماعي. فلو كان يؤيّد جماعة ما، وشاءت الظروف أن يتواجد بين جماعة مضادّة، فنراه يلجأ إلى إخفاء هويّته، دون أن ينكر مبادئه، بل يتصرّف وفقًا لأمنه وسلامته. وهنا نذكر مثلاً من واقع تاريخ العائلات في منطقة تقسّمت لاحقًا وهي بلاد الشام وجبل لبنان، فقد اعتمدت العائلات التي هاجرت هربًا من ظلم الدولة العثمانية وقطنت منطقة جبل لبنان الذي كان جزءًا من بلاد الشام، اعتمدت أسلوب ما يُسمّى ب”التقية”، ويعني اخفاء الهوية الدينية لعائلتهم وجهرهم بهويّة دينية مطابقة للهويّة الديينة في المنطقة . وهذا ما فسّره المؤرخون في دراستهم عن سبب وجود عدّة طوائف ومذاهب دينية لعائلة واحدة. ومن أشهر الأمثلة الواضحة، عائلة الزعيم المسيحي اللبناني “سمير جعجع” من منطقة بشرّي المسيحيّة واسم العائلة نفسه في منطقة النبطية ذات الغالبية المسلمة جنوب لبنان.

اقرأ أيضاً: مساحة تأمل …. ناجي سعيد

وتبدأ “التقية” تربويًّا عند الأطفال فيلجأون إلى الكذب أو يخجلون من إعلان عدم معرفتهم بمعلومة حفاظًا على مستوى تقدير الآخرين لشخصيتهم.وهذا ما يسمّوه بعلم النفس الكذب الدفاعي. فسبب الكذب عند الأطفال متعلّق بحرصهم للحفاظ على صورتهم الذاتيّة لدى الآخرين. ويظّن الطفل أنّ هويته الذاتيّة هي الصورة التي يُشكّلها الآخرون عنه. وبالتالي ترتبط ثقته بنفسه أو بهويّته الذاتيّة بحجم صورته المرسومة في أذهان الآخرين. وهذا ما يجعل ثقته بنفسه ذات أرضيّة رخوة وغير ثابتة وذلك لتعلّقها الوثيق بالصورة التي يعتقد أنّ الآخرين قد رسموها عنه في أذهانهم.

وكل ما نقصده في هذا، أنّ حاجات الإنسان ورغباته أقوى من مبادئه وعقيدته الأيديولوجية. فالحاجات والرغبات تحرّك السلوك الإنساني بحثًا عن الأمان، لذلك نجد المتصالحين مع أنفسهم أصدق بالتعبير عن ذواتهم. ونرى غالبية التابعين أيديولوجّيًا يكذبون أيضًا طلبًا للأمان. والنتيجة أن العنف ينتصر على الطرفين بكسبهم لصفّه، ويخسر الجميع.

اقرأ أيضاً: عقدة اللغة والهوية … ناجي سعيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى