الرئيسيةرأي وتحليل

مابدأ فعل تحرر ومساواة انتهى غالبا إلى استسلام وخضوع – أيهم محمود

التدين الفطري خطر على الملوك والأنظمة الحاكمة

الأديان في بدايتها كانت حلمُ فقراء، صرختهم المدوية التي تقول أن كل البشر متشابهين متساوين أمام الخالق، هم جميعاً ضعفاء أمام قدرةٍ كليةٍ واحدة أو متعددة، ثم بعد…، يكتشف الملوك والطغاة مخرجاً لهم من مأزق التشابه والتساوي هذا، يجدون طريقةً لنزع أشواك التدين الفطري بإنشاء صروح التدين المؤسساتي الذي تتشكل فيه طبقة الكهنة وتتشكل فيه أيضاً الكيانات الدينية الضخمة المتخصصة في تعطيل عقل البشر، وتسويق أقوال الطبقات الحاكمة غيرِ الشعبية، ما بدأ فِعلَ تحررٍ ومساواة انتهى غالباً إلى أفعالِ استسلامٍ وخضوع.

سناك سوري-أيهم محمود

هو صراعٌ دائمٌ وخفي بين حاجة الإنسان الفرد إلى الحرية وبين حاجة الطبقات المُستغِلة إلى ضمان عدم تمرد ضحية النهب والاستغلال، التدين الفطري خطرٌ على الملوك وعلى المنظومات الحاكمة لأنه يجعل الإنسان الفرد في علاقةٍ مباشرة مع مفهوم الإله دون الاضطرار للمرور من بوابات من يوهمون البشر بأنهم وكلاءه على الأرض، وهذا ينفي معادلة الاستغلال من جذورها.

فإن كان التدين الفطري البسيط خطراً على هؤلاء فكيف هو الحال مع المنهج العلمي الذي فيه الشك الأداة الأسمى لاستمرار البحث والتطوير، ونفي القديم من أجل ضمان استمرارية خلق الجديد المُبتَكر، الشكُ تقليبٌ دائمٌ لتربة الاستنقاع والثبات وهو ضد فكرة الاستقرار المطلوب من أي منظومةٍ حاكمة، حتى لو كان تاريخ تأسيسها قائماً على أرضية أفكار التحرر نفسها.

مات التدين الفطري في قلوب المؤمنين الذين نجحوا في الوصول إلى الحكم، ليتحولوا بعدها إلى ملوكٍ وإلى طغاة، كذلك فعل ثوار العدالة الاجتماعية وثوار الأفكار الاشتراكية حين وصلوا إلى حكم الناس، يحاجج بعض البشر في هذه الأيام بأن المنظومة الفكرية القائمة الآن في بعض دول أوروبا والعالم عصية على النكوص إلى عصر الطغاة وعصور التجهيل الرسمي للشعوب، دولٌ نشأت على قواعد التمرد على المنظومات الدينية فهل تستطيع حقاً تفتيت أسس وجودها؟.

اقرأ أيضاً: الجزء الثاني من المسلسل: عودة داعش – أيهم محمود

أرصد اليوم اتجاهات واضحة لتحويل المؤسسات العلمية إلى مؤسسات دينية، يتم استخدام هذه المؤسسات بشكل متزايد في عملية إخضاع الشعوب، بدل الفتوى وبدل رأي أصحاب القداسة نجد طبقات علمية متخصصة تُصدرُ أحكاماً نهائية تنفي الحق المقدس للأفراد في الشك الدائم بها وفق قواعد البحث العلمي الذي يتطلب حتماّ البرهان المُحكم على عدم صحتها.

المسألة ليست فعلاً عشوائياً أو مزاجياً، حق الشك مرتبطٌ بشكلٍ وثيق مع القدرة على البحث العلمي لدى البشر ومرتبطٌ أيضاً بنجاح المؤسسات التعليمية في رفع مستوى المعرفة لتصبح حركة البناء والهدم فعلاً دائماً يجدد الحياة والمجتمع، ما نشهده اليوم على الساحة العالمية هو صعود طبقة علمية ترفض الشك في آرائها بل تحاول تعطيل العقل بالتهديد والنبذ الاجتماعي أو حتى بالسجن، إن تم التشكيك في مقولاتها وهذا هو جوهر محاكم التفتيش وجوهر أسسها الفكرية.

نشهد حالياً العودة التدريجية للكثير من الأنظمة الغربية إلى حظيرة الديكتاتوريات بعد انتهاء الخطر اليساري وعدم وجود مبررات إضافية للحاجة إلى إظهار الفرق بين النظامين، حين نستسلم لمقولة: “العلماء سيجدوا حلاً لهذه المعضلة بالتأكيد”، أو نستسلم لفكرة عجزنا عن نقد ما يقولوا من آراء وأفكار نكون قد وضعنا فعلاً أسس منظومةٍ دينيةٍ جديدة، مؤسسة تبدو في ظاهرها حديثةً ولامعة لكنها تتشابه إلى حدٍ مخيف مع المؤسسات التي أنجبت أسوأ الفظائع والإبادات في العصور السابقة، فكرة القداسة البشرية إغواءٌ شديد تصعب مقاومته من قبل المختصين في العلوم التجريبية، كيف يقامونه وهم يشعرون برفعة المكانة التي هم فيها، كيف يقاومونه وهم يشعرون أيضاً بأنهم يقفون في منتصف المسافة الفاصلة بين البشر وبين الإله!.

اقرأ أيضاً: تاريخنا الذي يتغنى به البعض يشبه واقعنا اليوم – أيهم محمود

زر الذهاب إلى الأعلى