كلما اقترب العرب من أنقرة ابتعدوا عن دمشق
في ذروة التصعيد الخليجي التركي عام 2018 على خلفية المواجهة مع قطر والاختلاف على ملفات المنطفة، التقى وزير الخارجية السوري وليد المعلم مع نظيره البحريني حمد بن خليفة في الأمم المتحدة بعد قطيعة دامت 7 سنوات اتخذت فيها دول الخليج موقفاً شبه موحد ترفض فيه وجود حكومة دمشق.
سناك سوري – بلال سليطين
كان هذا اللقاء بمثابة إعلان تغير في الموقف العربي الخليجي تجاه الوضع في سوريا التي تمثل بالنسبة لهم العقبة الأولى أمام طموحات تركيا العثمانية، وكما كانت سابقاً ضابط إيقاع الدور الإيراني في المنطقة.
مالبث اللقاء أن تطور إلى فتح سفارة إماراتية في دمشق وهو حدث جاء بشكل مفاجئ وبعيد عن تماماً عن سياق الخروج الخليجي الجماعي من دمشق عام 2011، ومن ثم عادت البحرين لتفتح سفارتها من جديد وسط رفض علني قطري تركي.
خيار العودة للعلاقة مع دمشق جاء بعد سنوات من العلاقة الخليجية (الإماراتية السعودية) مع الإداة الذاتية التي تسيطر على أجزاء واسعة من الشمال الشرقي لسوريا وتواجهة عداءً شديداً من سلطات تركيا على خلفية قومية ، وقد حاول الثنائي الخليجي من خلال هذه العلاقة دعم الدور العشائري والقوى العسكرية والتحفيز على مواجهة تركيا، وفي أحيان أخرى إغاظة تركيا بهذه العلاقة التي لم تكن تعجب أنقرة ولم تكن لتقبل بها، إلا أن هذا الدعم للإدارة الذاتية لم يمنع تركيا من العدوان على أراضي سوريا من عفرين إلى تل أبيض.
لم تكن سياسة محور أبو ظبي ناجعة في هذه المواجهة لذلك كان لابد من العودة إلى العلاقة مع دمشق، فقد كانت خلاصة الرأي الإماراتي حينها إذا أردت أن تواجهة اطماع تركيا العثمانية عليك أن تواجهها من دمشق وليس من غيرها، ولذلك أعيد للعلاقة دفئها بعد سنوات البرود، عودة كان من المفترض أن يتبعها السعودية لكن الأخيرة قررت التمهل إلى مابعد الانتخابات الأميركية والتي غيرت نتيجتها الكثير من السياسات في المنطقة، وفي مقدمتها التراجع عن سياسة المواجهة القصوى والعودة إلى قواعد اللعبة ماقبل ترامب والتي كانت فيها قنوات الاتصال متوفرة دائما.
اقرأ أيضاً ما دلائل الزيارة الإماراتية وماذا حملت إلى سوريا؟
إذاً كان الموقع الجغرافي لسوريا العامل الرئيسي لإعادة العلاقة معها في سبيل تحقيق هدف رئيسي هو مواجهة تركيا وإزعاجها ودعم أي جهود للحد من توسع نفوذها، ولم يأت العرب بحثاً عن الاستثمار في دمشق ولا عن إعادة الإعمار أو تقديم فروض الطاعة والرضا، أو حتى الاعتذار عن دعم الحرب وتزويد المتحاربين بالسلاح، وإنما جاؤوا لأن المتغيرات السياسية تطلب ذلك وهذا التموضع الذي يحتاجون إليه.
التقدم الحذر للعرب نحو دمشق يؤكد أنه يريدون منها أشياء محددة وليسوا منفتحين على عودة إلى ماكان عليه الوضع عام 2011، وأن زيارة ولي العهد الإماراتي لأنقرة بالأمس تعني خسارة سوريا لإحدى أوراق قوتها عند العرب الذين كلما اقتربوا من أنقرة ابتعدوا عن دمشق، خسارة أكملها لقاء وزير التجارة السعودي “ماجد القصبي” مع نائب الرئيس التركي “فؤاد أقطاي”، وهو سيناريو لا يتناسب إطلاقا مع مواقف دمشق ورغباتها وحتى الدور الذي تريد لعبه.
لايعني الواقع الجديد أن العرب سيغادروا دمشق بعد أن جاؤوا إليها لكن أولوياتهم هنا تغيرت ولم تعد لسوريا أهمية بالنسبة لهم على صعيد المواجهة مع تركيا لكن هناك ملفات أخرى يسعى الثنائي الخليجي للعمل عليها في المنطقة وعلى ما يبدو أن أولويات هذه الملفات هي الاستقرار والاقتصاد، وتبقى ورقة إيران لاتخرج عن الطاولة مع صعوبة العودة إلى واقع 2010.
اقرأ أيضاً هل يأخذنا لبنان معه حيث يذهب؟ – بلال سليطين