فلسطين الحاضرة في الوجدان السوري.. احتضان شعبي ودعم رسمي
شكّلت القضية الفلسطينية حالةً فكريةً وسياسيةً وعاطفية مُتجذّرة في عقل الشعب السوري
أعادت الأحداث الأخيرة في “فلسطين” استحضار ذكرى المناضل السوري الشيخ “عز الدين القسّام” والذي تحمل كتائب مسلحة نفّذت عملية عسكرية اسمه…. وهو الحاضر في ذاكرة السوريين وفي رمزية قضية فلسطين.
سناك سوري – حلا منصور
شكّلت القضية الفلسطينية حالةً فكريةً وسياسيةً وعاطفية مُتجذّرة في عقل الشعب السوري. فلم تستطع ثلاثة عشر عاماً من الحرب والمعاناة أنّ تغيّر مكانة فلسطين في وجدان السوريين. الذين لم يَنسوا أنّ أوّل ثورة انطلقت من الأرض المسلوبة كانت بتوقيع مناضلٍ سوريّ آمنَ بعدالة القضية الفلسطينية وبأنّ النضال ضد العدو هو السبيل الوحيد للنصر.
سوريا الجنوبية
في عصر الاحتلال العثماني. كانت “فلسطين” تعتبر “سوريا الجنوبية” وهي تسمية تم استخدامها في أكثر من مناسبة للدلالة على الأراضي الفلسطينية. التي كانت تعتبر الجزء الجنوبي من ولاية “سوريا”.
بعد الحرب العالمية الأولى. تقاسمت “فرنسا” و”بريطانيا” النفوذ في المنطقة عبر اتفاقية سايكس بيكو عام 1916، حيث وُضعتْ سوريا تحت الوصاية الفرنسية. بينما استولت “بريطانيا” على “فلسطين” كسلطة انتداب. وسرعان ما صدر عن وزير الخارجية البريطاني “آرثر بلفور” عام 1917 رسالته الشهيرة إلى أحد زعماء اليهود في “بريطانيا” “البارون روتشيلد”. والتي تضمنت ما عرف باسم “وعد بلفور”.
جسّد هذا الوعد توجّهاً بريطانياً واضحاً لإقامة وطن لليهود في “فلسطين”. ولعبَ الوجود العسكري البريطاني في “فلسطين” دوراً أساسياً في تسهيل استقطاب اليهود من كافة أصقاع الأرض إلى “فلسطين”.
في مؤتمر السلام الذي عُقدَ في باريس عام 1919. والذي ضمّ دول الحلفاء المنتصرين في الحرب وفي مقدمتهم “الولايات المتحدة” و”فرنسا” و”بريطانيا” و”إيطاليا”. وكان المؤتمر يهدف إلى الاتفاق على تقاسم الدول والنفوذ والغنائم التي خسرها المهزومون في الحرب وأبرزهم الدولة العثمانية التي كانت قبل الحرب تسيطر على الدول العربية.
استغلَّ الصهاينة فرصة انعقاد المؤتمر. حيث عرضَ وفدٌ صهيوني مشارك في المؤتمر. مطالب الحركة الصهيونية وتشمل الاعتراف بحق اليهود في “فلسطين” وحقهم بإقامة وطن قومي لهم فيها. وإقامة حدود معينة لفلسطين على أن تضم الجزء الجنوبي من لبنان وجبل حرمون والعقبة والأردن.
أما الحاخام الأمريكي الصهيوني “ستيفن صاموئيل وايز” فتوجّه بتصريح شهير إلى “بريطانيا” قائلاً أن وجود فلسطين عربية تهديد لبريطانيا وخطر على العالم. بينما وجود فلسطين يهودية هو مكسب لبريطانيا العظمى وبركة للعالم. وراح الترويج لحق اليهود في “فلسطين” يتصاعد في الغرب.
بداية المواجهة المسلحة… عز الدين القسّام
اشتدّ الدعم العالمي للحركة الصهيونية. وترتّب عليه جلب يهود العالم إلى فلسطين والسماح لهم ببناء المستوطنات وتشكيل جيشٍ ونظام تعليم منفصل عن حكومة فلسطين. وازدياد عدد الفلاحين المطرودين من أراضيهم لأنّ «الأرض هي الشرط الحيوي لاستيطاننا في فلسطين». حسبما مدير دائرة الاستيطان “روبين” عام 1911.
إثر ذلك. تنامت المقاومة الفلسطينية ضد ممارسات الاستيطان الصهيوني، وبدأت مجموعات الثوار بالظهور. فكان “عز الدين القسّام” ابن مدينة جبلة السورية، الذي عُرفَ بنضاله ضد الاستعمار الفرنسي في سوريا حينها. ودعمه لنضال الشعب الليبي ضد الاستعمار الإيطالي، المُحرّك الأوّل للثورة الفلسطينية.
عَمِلَ “القسّام” على تنظيم المقاومة وتدريب المقاتلين وإنشاء خلايا سرّية تقود الثورة ضد الاحتلالين البريطاني والصهيوني. وواصل الكفاح المسلح 15 عاماً إلى أن قضى على يد البريطانيين عام 1935. لكن موته لن يمرّ بسهولة على الاحتلال. فقد أشعل شرارة الثورة التي انطلقت عام 1936 في وجه البريطانيين والصهاينة ووضعت إنكلترا في موقف محرج قبل أن تخمدها بالقوة العسكرية.
نكبة فلسطين
في أيار 1948 وقعت النكبة الفلسطينية وفشلت الفرق العسكرية العربية القادمة من “سوريا” و”مصر” و”لبنان” و”الأردن” وغيرها في منع احتلال فلسطين وقيام كيان الاحتلال. نظراً لتفوّق الصهاينة في العدد والعدّة بعد أن قدّمت لهم “بريطانيا” مختلف صنوف الدعم والتسليح والتجهيزات اللوجستية بما فيها المعسكرات والمؤسسات الحكومية.
استولى الاحتلال على أكثر من 77% من الأراضي الفلسطينية وشرّد نحو 750 ألف فلسطيني من أراضيهم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة وسوريا ولبنان والعراق.
استقبلت سوريا حينها حوالي 94 ألف لاجئ فلسطيني، وأصدرت الحكومة السورية القرار رقم 450 لعام 1949 أحدثت بموجبه مؤسسة اللاجئين الفلسطينين العرب. كما صدّقت سوريا على الاتفاقية المعقودة بين الحكومة السورية ووسيط الأمم المتحدة بشأن تسهيل كافة الأمور والمساعدات المقدّمة للاجئين. وأصدرت سلسلة قوانين تسمح للفلسطينيين بممارسة مختلف المهن ومعاملتهم معاملة السوريين في التوظيف والعمل والتجارة والتعليم والملكية. مع احتفاظهم بجنسيتهم الأصلية.
المقاومة المسلحة
وفي عام 1964 أنشأت منظمة التحريرالفلسطينية ككيان يمثّل الفلسطينيين عربياً ودولياً. فيما كانت التنظيمات الفلسطينية. تحظى بدعم من “دمشق” بما فيه تشكيل وحدات عسكرية للفلسطينيين داخل الأراضي السورية وافتتاح مكتب رسمي لمنظمة التحرير في العاصمة السورية.
ومن “دمشق” عام 1964 تم عقد المؤتمر العام الأول للحركة وقرر إطلاق العمل العسكري وإنشاء قوات “العاصفة”. ليكون يوم 1 كانون الثاني 1965 موعداً للإعلان الرسمي عن انطلاق حركة “فتح”.
شارك الجناح العسكري لحركة فتح إلى جانب سوريا والأردن ومصر، في حرب حزيران 67، التي عُرفت باسم “النكسة“ بسبب الهزيمة الموجعة التي تلقاها العرب. وخسروا إثرها الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وغزة وشبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان. احتلّت اسرائيل بعدها ثلاثة أضعاف مساحة دولتها المُعلنة عام 1948، وساهمت بتشريد قرابة 300 إلى 400 ألف فلسطيني من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة.
اتفاق أوسلو ونشوء حماس
عام 1993 قرر رئيس منظمة التحرير الفلسطينية “ياسر عرفات” توقيع اتفاق “أوسلو” للسلام مع الاحتلال. والقبول بشروطه مقابل منحه السلطة على الضفة الغربية وقطاع غزة. وإنشاء حكم ذاتي فلسطيني فيهما. الأمر الذي أدانته “دمشق” ووجّهته انتقاداتها للاتفاق معتبرةً أنّه أقرب للاستسلام من السلام.
في الأثناء. كانت حركة “حماس” قد تأسست عام 1987 وحظيت بدعم سوري منذ مطلع التسعينات. لا سيما مع تبنّيها خيار الكفاح المسلح.
تمتّعت الحركة على مدار السنين بنفوذ واسع في “سوريا” فأقامت معسكرات تدريبية وسمح لها بتنظيم الاجتماعات والمؤتمرات. وإقامة مكاتب تمثيلية وفتحت الأبواب على مصراعيها لقيادتها السياسية لتتحرك كما تشاء في “دمشق”.
وكان خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة يدور المساجد في دمشق علناً ويجمع التبرعات للحركة بشكل مباشر.
بينما تدرّبَ في دمشق “محمد الزواري” مهندس الطائرات المسيّرة التي استخدمتها حركة حماس في مواجهاتها الأخيرة مع الاحتلال الاسرائيلي.
الفلسطينيون في سوريا .. مواطنون بلا جنسية
خلالَ عقودٍ طويلة تمتّعَ الفلسطينيون في سوريا بحقوق كاملة على أراضي الدولة التي استضافتهم وأُحيطوا بدعم شعبي كامل في مختلف المناطق السورية.
حيث تجد في سوريا مناطق كاملة يسكنها فلسطينيون مثل مخيم اليرموك في دمشق. الرمل الجنوبي في اللاذقية والذي غالبيته من الفلسطينيين.
كما عاش فيها قيادات فكرية فلسطينية ومروا منها إلى العالم يحملون رسالة الدفاع عن القضية.
بينما تمتع الفلسطنيون في سوريا بحقوق المواطن السوري كاملة باستثناء الحصول على الجنسية وتبرر دمشق ذلك بأن الحفاظ على الجنسية الفلسطينية هو حفاظ على القضية.
توظف الفلسطينون في سوريا في مختلف الوظائف الحكومية السورية ووصلوا إلى مناصب عالية في الدولة السورية. وحصلوا على الدعم والرعاية الاجتماعية حالهم حال المواطن السوري.
مرّت علاقة الفصائل الفلسطينة مع السلطات السورية بمراحل متفاوتة من التقارب إلى التباعد إلى القطيعة والود. لكن بقيت قضية فلسطين حاضرة في كل لحظة بالوجدان الجمعي السوري والذي يؤكّد كل يوم أنه مهما بلغت أزماته الداخلية ومشكلاته لا تُغيّر مكانة قضية فلسطين وموقفه منها.