الرئيسيةحرية التعتير

عنطزة صحفية – شعيب أحمد

للعنطزة أنواع وأخطرها القضائية

سناك سوري – شعيب أحمد

العنطزة عبر التاريخ ليست حكراً على شعب بعينه، ولا هي تتبع لتيار فكري أو فلسفي أو تستند حتى لأي مذهب ديني أو سياسي أو ثقافي معين، إنما هي لو أردنا تعريفها أكاديمياً أسلوب اجتماعي أقرب ما يكون إلى فن الفخفخة على البسطاء، كما أنها لا تقتصر على من هم في أسفل الهرم الإجتماعي فهي موجودة في كل مربعات حياتنا.

أعرف صديقاً كان يعمل كفنان تشكيلي في العاصمة قبل بضع سنوات، وبعد عدة محاولات تشكيلية ناجحة من إقامة بعض المعارض الفنية المشتركة، أصبحت جيوبه تصدر خشخشة من احتكاك بعض الليرات التي كانت ثمناً للوحاته، وبما أن النفس البشرية المترفة تكون أكثر حساسية مالت نفسه الحساسة حين وجد في ليلة باردة قط صغير مشرد في أحد أزقة حي “القيمرية”.

وكفنان مرهف قرر أمام صديقته أن يحتفظ بهذا القط المسكين، فالتقط معه السيلفي وكتب العديد من المنشورات التي تحاكي لطافته وفرط حساسيته للقضايا الإنسانية، لكنه وفي نفسه قرر ضرب عصفورين في حجر، يتخلص من بعض الفئران ويكون كمن يتبع النمط السيكوباتي الذي يعيشه زملاؤه الفنانون كما في الدراما والمسلسلات من تربية الحيوانات الأليفة.

مقالات ذات صلة

بالفعل اعتنى بذاك القط النحيف والذي يفوق أضأل فأر في منزله حجمه مرتين، وفي مساء اليوم التالي عاد إلى منزله، كنت معه في تلك الليلة، طوال الطريق يحدثني عن قطه اللطيف وكيف تبدل حاله خلال فترة قصيرة، فتح باب منزله وراح يبحث عن “بوتشي” القط اللطيف، كانت رائحة المنزل مقززة على غير العادة، وبعد بضعة دقائق كان “بوتشي” المريض قد ملأ المكان بالفضلات، على الأرضيات وعلى السرير وعلى الكنبة وعلى اللوحات وعلى الصحون.

أصيب الفنان بجميع أنواع الصدمات النفسية، وفي ثانية واحدة رجع إلى طبيعته البشرية، هجم كالشبح يكزّ على أسنانه راكضاً خلف بوتشي من مكان لآخر حتى دُعكت ملابسه بفضلاته وقيئه، أمسكه، فتح الباب وخرج إلى الحارة وقذفه كما يقذف المرء حجراً، ثم أردف ذلك بأقذع أنواع الشتيمة.

لو صعدنا درجة أخرى في هذا الهرم لوجدنا عنطزة ثقافية، مثلاً شبان كثر في “سوريا” يعرفون “الأب الحنون” الشاعر والمثقف العامل في إحدى الدوائر الثقافية في بلادنا، وهو رائد شعري في بلادنا، كما يحبذ أصدقاءه في تلك المؤسسة أن يصفوه، لهذا وحتى يتمكن من بيع منتجاته الشعرية، تم السماح له ببيع منتجاته الثقافية هناك، لهذا لا يسمح لأي مراجع من الاستفادة من خدمات المؤسسة إلا بشراء كتاب الشاعر “الأب الحنون”، وهو بات عرف خدمي كأي طابع أو توقيع أو مجهود حربي أو ختم لتسيير أي معاملة، وحين يرفض البعض شراء أي من كتبه كانت تتعطل معاملته.

اقرأ أيضاً: سوريا: قرار يجبر القضاة على التصريح بأموالهم.. هل يساهم في مكافحة الفساد؟

لكن أشد أنواع العنطزة تدميراً في بلادنا وفي هذه السنوات الشحائح العنطزة القضائية، مثلاً أعرف جاراً شاباً رغب في إجراء بعض المعاملات الورقية في إحدى مؤسسات الدولة، فطلب منه الموظف “أتعاب إضافية لتسهيل التعاملات”، الموظفون في بلادنا يحبذون أن يسموا الرشوة بهذا الاسم الجميل “أتعاب إضافية”، لكن لسوء الحظ تم رمي “موظف الأتعاب الإضافية” بالسجن وتم استدعاء الجار مع جملة مراجعين بفعل التهم التي علقت بذاك الموظف في حركة دورية لمحاربة الفساد في المؤسسة مع عدد كبير من المتعاملين بتهمة الرشوة، فتم الإمتثال أمام القاضي، فقام الشاب بتوكيل محامي لمعالجة الأمر، وأخبره المحامي أنه ينبغي أن يدفع بعض المال “كأتعاب” للقاضي للفلفة القضية، فقال الشاب للقاضي بغضب “يعني رشوة حتى نلغي حكم الرشوة”، فأثارت كلمات الشاب غضب القاضي المأمور بأن يحكم بالعدل، فأصدر بحقه حكماً بالسجن ودفع غرامة مالية ضعف ما طلبه منه.

كثيرة وموجعة هي العنطزة في بلادنا، فمثلاً ماذا يسمى أن يقوم مختار المخاتير في مؤسسة ما بإصدار قرار بفتح تصدير الفجل خارج البلاد، في وقت يكون فيه راتب أثرى موظف هو بثمن كيلو فجل، ماذا يسمى ذلك؟ عنطزة سياحية مثلاً؟

العنطزة في بلادنا يا سادة لا دين لها، حدودها لا تتوقف عند الحالة الفنية أو الثقافية أو الاجتماعية، ولا يردعها قضاء ولا منصب، لأن للمتعنطزين في بلادنا حراس إخلاصهم أكثر من إخلاصهم للوطن، لهذا كله لا ريب أن يكون هذا المقال يقع ضمن فروض العنطزة الصحفية.

اقرأ أيضاً: رسالتين متطابقتين للحكومة والبرلمان: عليكم ألا تفلسوا من محاربة الفساد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى