الرئيسيةرأي وتحليل

سور الجرائم الإلكترونية – أيهم محمود

الكاتب: المسؤول شخصية عامة ولا يجب أن يخشى الانتقادات

حين يبني الإنسان سوراً مرتفعاً للغاية حول منزله يَصْعُب الحكم على هذه الحالة: هل ما بناه هو سجنٌ لنفسه، أم حماية له ولأسرته؟.

سناك سوري-أيهم محمود

لقد اختار الكثير من المسؤولين وكبار الموظفين بأنفسهم ودون أي ضغطٍ أو إكراه، الانفصال العملي عن الناس وعزل أنفسهم بأسوار قانونية عالية حجارتها الصلبة بعضُ فقرات قانون الجرائم الإلكترونية، ستعمق هذه العزلة الاختيارية الشرخة بين من هم داخل السور وبين من هم خارجه وصولاً إلى تطورها التدريجي باتجاه الانفصال التام الصامت.

من يشتكي بصوتٍ عالٍ يعتقدُ بأن هناك جسراً قويا يربط بينه وبين من يشتكي عليه أو يشتكي له، وأنه مازال متمسكاً بالعلاقة التي تجمعه به، الأمر يشبه كثيراً الخلافات التي تحدث في المنزل بين أفراد الأسرة الواحدة، طالما تشتكي من تصرف أخيك أو والديك أو زوجتك وتعاتبهم -وتزعجهم بشكواك أحياناً- إذاً أنت مازلت حريصاً على صحة واستمرار العلاقة التي تجمعك بهم، عندما يسود الصمت في المنزل فهو الهجر، والهجرُ أول درجات الإنفصال، وأول درجات الطلاق، وأول درجات تفكك ما كان قائماً من علاقات الترابط بين أفراد الأسرة الواحدة.

لم يختر المواطنون بأنفسهم أول درجات الهجر، بل على العكس تماماً، كانوا يعتقدون -بإيمانٍ عميقٍ أيضاً- أنهم ما زالوا قادرين على إصلاح الشرخ الواقع بينهم وبين من بنوا لاحقاً سوراً قانونياً حول أنفسهم، لكن ومنذ سنواتٍ طويلة لم يعد حساب البيدر يتطابق مع حساب الحقل لذلك وصل المجتمع إلى ذلك التباين الصارخ في كل شيء، بدءاً من الفرز الطبقي الحاد والسريع، مروراً بالانهيار الملحمي للطبقة الوسطى وهبوط معظم الناس إلى قاع الفقر، وأخيراً ذلك التخلي القاسي عنهم في ذروة حاجتهم لمن يستمع إلى أنينهم وآلامهم، من اختاروا الهجر هم من آذاهم صوت الناس، قد يشعرون بالسعادة الآن لعدم إدراكهم الجيد لتأثيرات هذه السعادة المؤقتة على وقائع الأيام القادمة، سعادةُ نجاحهم ببناء سورٍ شاهق يفصلهم عن المحيط ويحميهم منه قبل أن يكتشفوا لاحقاً أنهم بنوا سجناً عالي الأسوار وأنهم هم السجناء فيه، وأنهم فقدوا أيضاً القدرة على الرؤية الواضحة لما يجري خارج منطقة أمانهم المزعومة.

اقرأ أيضاً: إمبريالية بالخل والبصل – أيهم محمود

هذا ما ستقود إليه بعض فقرات قوانين الجرائم الالكترونية المخصصة لحماية المسؤولين من شكوى الناس، الفقرات التي تحمي الأفراد وخصوصيتهم في قوانين الجرائم الإلكترونية هي أكثر من ضرورية لكن المسؤول ليس فرداً بل هو حالة عامة اختار بملء إرادته الحرة الظهور العام وهو سعيدٌ وممتنٌ أيضاً لهذا الظهور وانتزاعه منه أصعب عليه من خروج الروح، لذلك يجب عليه أن لا ينزعج من حالة كونه موضوعاً عاماً للانتقاد، وموضوعاً للمتابعة المستمرة والإشاعات المتلاحقة، عليه أن يعي بشكلٍ جيد أنه أصبح في دائرة الضوء هو وتصرفاته الشخصية أيضاً، هذا عُرفٌ عام.

من يريد الحفاظ على خصوصيته وعلى حياته الهادئة لا يجب عليه السعي وراء مهنٍ عديدة منها مهنة التمثيل وكثير من المهن السياسية والاجتماعية العامة، مهنة التمثيل على سبيل المثال تُلغي الكثير من الخصوصية ومن يختارها يُدرك بشكلٍ جيد مشاكلها، بل هو يستفيد من مشاكلها لتحقيق المزيد من الانتشار له ولأعماله، لقد أدرك الممثلون هذه الحقيقية منذ أزمنةٍ بعيدة، حولوا هذه السلبية في مهنتهم إلى قوة دافعة تساعد في انتشارهم وانتشار أعمالهم، لم يستطع كبار الموظفين فهم هذا الدرس لذلك فعلوا العكس تماما وحوّلوا هذه الحالة إلى قوة معاكسة تدفعهم بعيداً عن الناس عاطفيا وفكرياً.

لا يصل الانفصال العاطفي سوى إلى النهايات السيئة، يبدأ الأمر بالبرود وعدم الاهتمام، ثم يتحول لاحقاً إلى شروخ تلتقي كما تفعل السواقي حين يجتمع ماؤها ليتحول إلى نهرٍ جارف لن يستطيع طرفا المعادلة التحكم به: من استسلموا لحالة بقائهم خارج الأسوار الإلكترونية، ومن بقيوا محتجزين وراءها دون أن يلاحظوا ما خسروه في كل لحظةٍ عاشوا فيها داخلها.

اقرأ أيضاً: المواطن السوري الاستثنائي – أيهم محمود

زر الذهاب إلى الأعلى